دبابة سورية غلى طريق دير الزور.(أرشيف)
دبابة سورية غلى طريق دير الزور.(أرشيف)
الثلاثاء 5 سبتمبر 2017 / 20:00

سقوط أوراق داعش في خريف العام السوري السابع

لا يمكن التسليم أن سيطرة جيش النظام على ديرالزور ممكنة في وقت قريب، ليس لأن داعش لايزال يتمسك بالرقة بقوة

من بادية جنوب شرق حمص، في اتجاه الجنوب نحو الحدود الدولية مع الأردن، وفي اتجاه الشرق نحو الحدود الدولية مع العراق، لا توجد سوى مخافر يتبادل المسلحون رفع أعلامهم عليها، بحراسة النظام الأسدي والطيران الحربي الروسي تارة، أو حراسة طيران التحالف الدولي ضد داعش تارة، ما يعني أن أهمية البادية هامشية في استراتيجيا الحرب على داعش مقارنة مع المدن التي حرسها التنظيم في انتظار تسليمها مدمرة لمن يهاجمها.

لكن للبادية أهميتها من حيث هي مدخل لتلك المدن من ألف باب.
ولنرسم الصورة كاملة، علينا التذكير بزمن معركة الموصل التي استغرقت تسعة أشهر، وزمن معركة ريف الرقة التي انتهت بعد ثمانية أشهر قبل أن تبدأ معركة المدينة التي تكمل يوم 5 سبتمبر (أيلول) ثلاثة أشهر من عمرها.

الآن، يروج إعلام النظام لنصر في ديرالزور دون معركة انطلاقاً من البادية، أو لتقدم سريع وضعهم فجأة على بعد عشرة كيلومترات جنوب الفرات، مع قياس الوقت المتبقي للسيطرة على المدينة بالأيام والساعات.

بالطبع، الحديث يجري عن مدينة ديرالزور، وليس عن المحافظة البالغة مساحتها أكثر من 33 ألف كيلومتر مربع. فبالمقارنة مع استمرار معركة ما حول الموصل في محافظة نينوى البالغة مساحتها أكثر من 37 ألف كيلومتر مربع)، لايزال الحسم غير تام حتى بعد السيطرة على تلعفر والعياضية، فداعش يتمركز جنوباً وغرباً، والحرب بين الجيش العراقي مدعوماً بالحشود الشعبية من جهة، وفلول داعش من جهة أخرى، تبدو مثل رحلة سفاري صحراوية يبحث فيها العدوان عن صيدهما وهما يتخفيان عن مفاجآت الآخر، بمعنى أن تتبع آثار الطرف الآخر أمر صعب، فداعش يحاول الهروب، والحشود تطارده على مبدأ تقفي الأثر، حتى في عصر مخابرات السماء، والأقمار الصناعية.

وهذا يعني أن مسار المعارك ضد داعش بدأ من المدن واتجه إلى البادية، على عكس معركتي الرقة، ولاحقاً معركة دير الزور، التي اتجهت من البادية إلى المدن.

سورياً، أصبح النظام الأسدي فجأة على مشارف مدينة ديرالزور، بعد أيام من مباركته صفقة حزب الله مع داعش برعاية إيرانية روسية. ومن السذاجة الظن هنا أن المصادفة وحدها ما يربط بين الحدثين، فالتواقت يشير إما إلى أن قوات النظام اقتفت آثار داعش نحو ديرالزور عبر البادية، أو أن هذا الاقتفاء كان جزءاً من صفقة "حزب الله" مع التنظيم.

تلك "المصادفة" تقود أيضاً إلى الظن بوجود تفاهم روسي أمريكي، فالنظام الأسدي الممانع لا ينسق مع الأمريكان لأنهم قادة الحرب الكونية ضده، بينما لا تسمح أمريكا بمرور حلفاء روسيا إلى منطقة نفوذها في ديرالزور والجزيرة السورية.

إذاً، فمفتاح سر هذا الخريف السوري عند أمريكا وروسيا، بل عند داعش، وعند آبار النفط التي يسيطر عليها داعش في ريف ديرالزور التي لاتزال تنتج 40% من النفط السوري اللازم والضروري لتتحرك دبابات وناقلات الجيش الأسدي. فليس آخر الأخبار انضمام 113 عنصراً من ضمن حوالي 300 في الصفقة بين داعش و"حزب الله" إلى قوات النظام الأسدي. وهنالك من يُمكن أن يُعلق أن هذا هو المكان الطبيعي لداعش، بعد سنوات من التكهن عن علاقة الطرفين ببعضهما، فداعش عاد إلى "الحضن" الذي أرضعه.

أما اكتمال الصورة فيحتاج إلى التذكير بأن داعش الذي اختبره السوريون منذ بدايات 2013، واختبرهم منذ بداية سيطرته على الرقة في ربيع العام نفسه بعد تخلي النظام الأسدي عن المدينة في ساعتين، وعلى الموصل في صيف 2014، خلال 48 ساعة، عندما سيطر 800 داعشي على المدينة المحروسة بـ 140 ألف جندي عراقي، وقاعدة "سبايكر" الجوية الأمريكية.

هذه الملاحظات تقود إلى أن لتنظيم داعش أكثر من مستوى في تعامله مع عناصره، وأكثر من مستوى في تعامل أعدائه معه، بعدما تأكدت حقيقة نظرية المؤامرة هذا العام على الأقل. وما كان محاولة للتمسك بوهم يبرر تراجع الفصائل المعارضة أمام جيش النظام وميليشياته، في مقابل معارك غير مقنعة بين النظام وداعش، اتضح أنه تبادل أدوار بين النظام والتنظيم، وأن داعش يؤكد في كل مرة دوره الوظيفي حسب اتفاق مسبق ينسجم مع الوضع العسكري للنظام. والتفسير المنطقي لما حدث ويحدث هو أن قادة التنظيم يتفقون مع النظام، بينما يقاتل المغرر بهم من عناصر داعش النظام وكأنه عدو، تماماً مثلما يقاتل عناصر النظام الخائفون من داعش عدوهم دون يقين أن النظام يمثل مستقبل بلدهم.

مع ذلك، لا مكان لداعش في السياسة والمفاوضات، فهو مجرد دريئة للتصويب عليها، وذريعة كبرى للحرب على الإرهاب. لكن على خلاف السنوات الماضي، تتجه مسرحية داعش في عام 2017 لإسدال الستارة على آخر فصول التنظيم، خاصة بعد فصل اتفاق "حزب الله" معه.

وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن التسليم أن سيطرة جيش النظام على ديرالزور ممكنة في وقت قريب، ليس لأن داعش لايزال يتمسك بالرقة بقوة، ويهاجم مدينة السلمية ومحيطها بالقذائف الصاروخية، وليس لأهمية نفط ريف ديرالزور كآخر الموارد المالية المهمة للتنظيم، بل لأن أمريكا لم تقل كلمتها بعدُ بخصوص تسوية سياسية يرضخ لها جميع أطراف النزاع من السوريين، ولأن الترتيبات الروسية مع دول إقليمية لم يتضح إن كانت أمريكا متوافقة معها.

لكن، عندما يستنفد النظام وروسيا ورقة داعش، سيأتي الدور على أمريكا كي تُعلن موقفها من النظام الأسدي. عندها ستكون الحرب ضد التنظيم قد انتهت، أو انتهت ذرائعها، ليبدأ خريف المفاوضات السياسية بين روسيا وحلفاؤها من جهة، وأمريكا فقط، دون السوريين.