المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وزعيم المعارضة الاشتراكيّة الديمقراطيّة مارتن شولتز خلال المناظرة.(أرشيف)
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وزعيم المعارضة الاشتراكيّة الديمقراطيّة مارتن شولتز خلال المناظرة.(أرشيف)
الأربعاء 6 سبتمبر 2017 / 21:05

مناظرة محترمة لديمقراطيّة محترمة

محترميّة السياسيّ تبقى عاصماً أساسيّاً في مواجهة الساسة الشعبويّين، وفي مواجهة الشعبويّة عموماً

جاءت المناظرة التلفزيونيّة، يوم الأحد الماضي، بين المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل وقائد المعارضة الاشتراكيّة الديمقراطيّة مارتن شولتز، لترفع الثقة بالديمقراطيّة الليبراليّة ونظامها.

فبعد الانتكاسات الكبرى التي شهدناها مؤخّراً، وقف أمام أنظار الألمان والعالم سياسيّان ديمقراطيّان يمثّلان ملايين المقترعين الذين سيصوّتون في 24 سبتمبر (أيلول) الجاري. هكذا تناظرا فاتّفقا في بعض الأمور واختلفا في سواها، لكنّ أيّاً منهما لم يسفّ ولم يلجأ إلى التشهير بالآخر. وكم بدا هذا العنصر لافتاً ومؤثّراً للمراقبين كما للمتابعين الذين سبق أن شاهدوا مناظرة الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة بين مارين لوبن و(الرئيس اللاحق) إيمانويل ماكرون، أو مناظرات الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة بين (الرئيس اللاحق) دونالد ترامب وهيلاري كلينتون.

والحال أنّ محترميّة السياسيّ تبقى عاصماً أساسيّاً في مواجهة الساسة الشعبويّين، وفي مواجهة الشعبويّة عموماً. ذاك أنّ "بهدلة" السياسة بأعرافها وتقاليدها، برموزها ومعاييرها، شرط شارط لمرور تلك الشعبويّة ولانتعاشها.

بيد أنّ سبباً آخر يفسّر الاحتفال بمناظرة ميركل – شولتز. ذاك أنّهما، في الحقيقة، اختلفا من داخل اتّفاقات عريضة لا يقوم نظام ديمقراطيّ من دونها. فلم يكن أيّ منهما راديكاليّاً إلى الحدّ الذي يفيض عن ضفاف النظام الديمقراطيّ واحتمالاته. فهما، مثلاً، متّفقان حول السياسة المتّبعة حيال اللاجئين، لكنّ شولتز أخذ على منافسته عدم التنسيق في ذلك مع الاتّحاد الأوروبيّ، ما جعل ميركل تردّ بتأكيد الحاجة إلى اتّخاذ القرار السريع والحاسم في بعض المناسبات المفصليّة. وهما متّفقان حول دونالد ترامب وسياساته، لكنّ ميركل، بوصفها مستشارة، مضطرّةٌ إلى التعبير عن موقفها بلغة أكثر ديبلوماسيّة وتحفّظاً من لغة شولتز الصريحة في هجوميّتها. وهما متّفقان حول الموقف من الرئيس التركيّ رجب طيّب إردوغان ومن عدم قبول انضمام تركيّا الإردوغانيّة إلى الاتّحاد الأوروبيّ. لكنْ فيما يطالب شولتز بوقف التفاوض معه فإنّ ميركل تؤكّد استحالة الانضمام أصلاً. ولئن حاول شولتز أن يبرهن على محاباة المستشارة وحزبها المسيحيّ الديمقراطيّ للشركات والمؤسّسات الكبرى، أبرزت ميركل حقيقة نجاحها في خفض البطالة بنسبة النصف في ظلّ أوضاع اقتصاديّة عالميّة غير ملائمة.

شيء آخر كان لافتاً في ردود الفعل على المناظرة: ذاك أنّ ميركل ربحتها، وفقاً لمعظم استقصاءات الرأي العام، فيما كان أحد أسباب كسبها لها أنّها سياسيّة "مجرّبة". فهي تقود الانتخابات للمرّة الرابعة بعد ثلاثة عهود في المستشاريّة، فضلاً عن قيادتها حزبها منذ العام 2000. في المقابل، فإنّ منافسها شولتز لا يملك رصيداً غنيّاً كهذا: ذاك أنّ خبرته في قيادة حزبه أقصر كثيراً من خبرتها، فيما يكمن رصيده الأهمّ في تجربته الأوروبيّة، بوصفه رئيساً سابقاً للبرلمان الأوروبيّ، وليس في مجال السياسة الألمانيّة.

وتنبع أهميّة عنصر "الخبرة" من كونه ردّاً آخر على السلوك الشعبويّ الذي تختصره معادلة "الأكثر خبرة هو الأكثر فساداً، والأقلّ خبرة هو الأقرب إلى الشعب". وكلّنا نذكر مدى استخدام دونالد ترامب السلبيّ لخبرة هيلاري كلينتون، وانتقادات مارين لوبن لـ "النخبة السياسيّة" التي لم يكن ماكرون بعيداً عنها.

فوق هذا فإنّ ما يسمح بالرهان على نضج الرأي العامّ الألمانيّ أنّه، في اكتراثه بالخبرة، لم يستوقفه أنّ شولتز يتفوّق نوعيّاً على ميركل غير المعروفة بالبراعات الكلاميّة والمخاطبات العاطفيّة التي كثيراً ما تؤخذ بها الجماهير.

وبهذه المعاني مجتمعة يمكن القول، مرّة أخرى، إنّ ألمانيا هي اليوم آخر حصون الديمقراطيّة الليبراليّة وأمتنها في هذا العالم.