علم أمريكي ممزق. (أرشيف)
علم أمريكي ممزق. (أرشيف)
الأربعاء 6 سبتمبر 2017 / 19:50

أمريكا

ليس التأويل فقط للعبارة العنصرية، هو ما أزعجني، لكن أيضاً التطاول من أوليفر ستون على سماء وحشية مهيبة، بتعبيرٍ يسيل له لعاب مخرج صغير

تتمثل السينما الأمريكية، الهجوم الشامل على الولايات المتحدة، عبر عمليات إرهابية، كائنات فضائية، وحوش ما قبل التاريخ، كوارث طبيعية، براكين، نيازك، أعاصير، في أفلام عديدة لا حصر لها، كنوع من درْء خطر متربص بأمريكا، دون سبب واضح. التعزيم على هذا الخطر قبل وقوعه، فك طلسمه الغامض، يكون بتمثله، فإذا وقع يكون قد فَقَدَ عنصر المفاجأة، فهو مُمَثَّلٌ من قبل. هذا يُفسر مدى المُبالغة في فيلم أمريكي، يُمثِّل دمار الكوارث الطبيعية. على سبيل المثال، دمار إعصار هارفي الاستوائي، الذي ضرب ولاية تكساس، يكون أقل في حجم دماره، إذا ما قورن بدمار إعصار يضرب أمريكا في فيلم هوليوودي.

في فيلم "إعصار" أو "Twister"، 1996، بطولة الممثلة هيلين هانت، والممثل بيل باكستون، الذي رحل عن عالمنا سنة 2017، تطير السيارات والحيوانات في مجال دوامة الإعصار، وترتفع في الهواء. ورغم قوة إعصار هارفي إلا أنه لم يفعل هذا بالسيارات والحيوانات. التمثُّل طريقة أمريكا في النجاة. حدث هذا في زمن الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي سابقاً. كانت أفلام هوليوود تُصوِّر العدو الروسي على أنه ند خطير أمام أمريكا، لكن بعد حرب فيتنام وأفغانستان، وهزيمة الاتحاد السوفييتي، وتفكيكه بشكل مُذل، اتضح أن روسيا لم تكن في الحقيقة، نداً قوياً لأمريكا كما صورتها هوليوود. وخلال عقدين من الزمن أصبح اليساريون على مستوى العالَم، ليبراليين أو نيو ليبراليين، يدافعون عن السوق المفتوح، ويتعاطفون مع الإرهابيين، ويتغزلون في العولمة، لكنهم ما زالوا يتمسكون بكلمة "اليسار".

في فيلم "بلاتون"، 1986، للمخرج أوليفر ستون، عبارة أزعجتني منذ المُشاهَدة الأولى للفيلم 1989، وعلى الرغم من حبي لسينما أوليفر ستون، إلا أن العبارة البذيئة اللا أخلاقية، العنصرية، كنتُ أحمل همها في مشاهدات لاحقة للفيلم، ولم أنسها قط. أحد الجنود الأمريكيين في منطقة غابة حدودية بين فيتنام وكمبوديا، يقول لزميله على السماء: "سوف تتبول علينا طوال الليل". العبارة العنصرية تعني، أن الغابة المدارية بمناخها الممطر المتطرف، تنتج بشراً لا يستحقون العيش، وقتلهم واجب على الجندي الأمريكي. ليس التأويل فقط للعبارة العنصرية، هو ما أزعجني، لكن أيضاً التطاول من أوليفر ستون على سماء وحشية مهيبة، بتعبيرٍ يسيل له لعاب مخرج صغير. بمفارَقَة عميقة، ذهبتْ السماء المدارية، الاستوائية، ممثلة في إعصار هارفي، إلى ولاية تكساس، كي يتعلم الأمريكي الضحل، المغرور، كيف يتعالى على السماء. لن تجد في فيلم "إعصار"، تفاصيل واقعية مُحرجة، مثل ما حدث مع إعصار هارفي، وهو اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الفيضانات، وتحذيرات من أمراض ترتبط بالنظافة العامة. لم يذكر أحد في كارثة هارفي، شيئاً عن الاحتباس الحراري، وهو السبب في جعل الظواهر المناخية تحدث بتطرف كبير، مع أن الحديث الطاقة النظيفة لا ينقطع في أوقات ما قبل الكارثة، لكن في زمن الكارثة، ستبدو الإدانة قوية، وهي موجهة للدول الصناعية، وفي مقدمتها أمريكا، التي لا تكف عن إنتاج العوادم.

في تموز (يوليو) 2017 انفصل واحد من أكبر جبال الجليد في القارة الجنوبية، وتقدر مساحة جبل الجليد بـ 6 آلاف كيلو متر مربع، ويبلغ وزنه تريليون طن تقريباً. وبسرعة قال المتخصصون: ليس انفصال جبل الجليد، بسبب الاحتباس الحراري. ثم مات الحدث الكبير في وسائل الإعلام بعد يومين مكثفين من التغطية، تماماً مثل التغطية المكثفة، مدة يومين، لحدث سرقة مجوهرات كيم كارداشيان 2016 في باريس. الأمر لا يتعلق بذاكرة طيَّارة للأحداث إنما يتعلق بمساواة كئيبة بين حدثين، بمساواة الأحداث جميعاً، يتعلق بوفرة أحداث لا نهائية، تحظى على قدم المساواة باهتمام محموم معولم. كل ما يحدث يستحق الاهتمام. واحد من مشاهير تويتر سرد حلماً في تويتة بعد إعصار هارفي. رأى في الحلم حاكم ولاية تكساس يطلب من رئيس الصومال دعماً رمزياً، 1000 دولار، لمنكوبي فيضانات هيوستن. الكارثة التي تصيب أمريكا، هي كارثة تصيب العالم كله، ولهذا من الضروري مُشاركة الجميع، ومَنْ يرفض المُشاركة في دعم أمريكا، سيصبح مع الأسف في معسكر الشر، معسكر كوريا الشمالية والصين وروسيا، وإن كانت أمريكا ستطلب من معسكر الشر، دعم منكوبي فيضانات هارفي، فستطلب فقط، كي تثبت لمعسكر الخير، أن بابها يبقى مفتوحاً للتوبة، ولا يُغلق في وجه الأشرار.