الممثل المصري الراحل إسماعيل ياسين.(أرشيف)
الممثل المصري الراحل إسماعيل ياسين.(أرشيف)
الخميس 7 سبتمبر 2017 / 20:07

فتوات إسماعيل ياسين.. وبلطجية محمد رمضان!

أخطأ «محمد رمضان» حين هاجم سلسلة الأفلام التي قدمها إسماعيل ياسين عن أفرع القوات المسلحة، ولم يتنبه إلى أنها جاءت في سياق موجة من الأفلام الكوميدية، قدمتها السينما العالمية، أثناء وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية

عاد اسم إسماعيل ياسين لكى يتصدر عناوين الصفحات الفنية فى الصحف العربية، بعد 45 عاماً من رحيله عن الدنيا في مايو (أيار) 1972، أما السبب فهو تصريح للممثل الشاب محمد رمضان، اتهم فيه الكوميديان الراحل، بتشويه صورة الجندي المصري عبر سلسلة الأفلام السينمائية التي قام ببطولتها في الفترة بين منتصف خمسينات ومنتصف ستينات القرن الماضي، وهي أفلام حملت اسمه في عناوينها، وجرت وقائعها في معسكر من معسكرات القوات المسلحة المصرية، ومن بينها "إسماعيل ياسين في الجيش" و"... في الأسطول" و"... في الطيران" و"... فى البوليس الحربي"، إلخ. وأخذ رمضان على إسماعيل ياسين أنه جسّد فيها شخصية الجندي المصري في صورة تجمع بين السذاجة والبلاهة، وبين الجهل والغباء فأساء بذلك إليه وإلى المؤسسة التي ينتمى إليها.

وكان لافتاً للنظر، أن تصريح رمضان أثار موجة من الغضب العارم بين جمهور السينما ونقادها كشفت عن أن إسماعيل ياسين لا يزال يحتفظ بإعجاب ملحوظ من هذا الجمهور، وإلا ما وصلت المبالغة في الغضب إلى الحد الذي دفع بعض الغاضبين، إلى القول إن أفلامه، بما في ذلك الأفلام التي جسّد فيها دور الجندي المصري، قد ساهمت في تكوينهم الثقافي والوطني، ولما دفعت آخرين منهم، إلى الربط بين تراجع إيرادات أحدث أفلام محمد رمضان - وقد عرض في موسم عيد الأضحى - وبين انتقاده لأداء إسماعيل ياسين، فيما اعتبره هؤلاء بمثابة احتجاج - وعقاب عادل - على تطاوله على نجم بقيمة وقامة إسماعيل ياسين.

ومنذ أكثر من عقدين من الزمان، لفت نظر الآباء والأمهات، ثم بعد ذلك نقاد السينما، إقبال الأطفال العرب، على مشاهدة الأفلام القديمة التي قام إسماعيل ياسين ببطولتها عند إعادة عرضها عبر شاشات التلفزيون، وتوقفوا أمام الضحكات التى يفجرها لديهم أداؤه الحركي والصوتي، وهو ما أغرى بعض الدور المتخصصة فى مجال نشر كتب الأطفال، إلى محاولة تقديم سلاسل من الكتب المصورة، تستند إلى رسوم لشخصية إسماعيل ياسين، باعتبارها من الشخصيات ذات الجاذبية الخاصة للأطفال.

لكن هذه السلاسل من الكتب، ما لبثت أن فقدت جاذبيتها للأطفال أمام منافسة الألعاب الإلكترونية على شاشة الإنترنت، وسرعان ما أدرك الآباء والأمهات، أن ما يضحك الأطفال من مشاهد أفلام إسماعيل ياسين القديمة لا يضحك بالضرورة الكبار، وهو ما أكده علماء النفس الذين ربطوا بين الضحك كأحد انفعالات النفس البشرية، وبين ارتفاع مستوى ثقافة وخبرة الإنسان بالحياة. وتنبهوا إلى أن ما يضحك الفلاح الساذج محدود الخبرة والثقافة في القرية، لا يضحك بالضرورة، ساكن المدينة الأكثر خبرة والأوسع أفقاً، ومهرج السيرك الذى يُضحك الأطفال بالملابس المبرقشة، والألوان التي يصبغ بها وجهه، ليس قادراً - بالدرجة نفسها - على انتزاع الضحكات من أفواه آبائهم وأمهاتهم.. والكوميديان الذى كان يضحك جيل آبائنا وأمهاتنا، ليس قادراً - بالضرورة - على إضحاكنا، أو إضحاك أولادنا.

فى هذا السياق أخطأ محمد رمضان حين هاجم سلسلة الأفلام التي قدمها إسماعيل ياسين عن أفرع القوات المسلحة، ولم يتنبه إلى أنها جاءت في سياق موجة من الأفلام الكوميدية، قدمتها السينما العالمية، أثناء وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، سعت إلى استغلال الثنائيات الكوميدية التي كانت ذائعة آنذاك، مثل لوريل وهاردي وبود آبوت ولو كو ستللو وغيرهم، لتقديم سلسلة من الأفلام الفكاهية، تدور أحداثها في ميادين القتال وداخل معسكرات جيوش الحلفاء، كان الهدف منها هو الترفيه عن الجنود الذين يعانون مشقة الحرب، والترفيه - كذلك - عن أسرهم الذين ينتظرون عودتهم، وفضلاً عن تهيئة الجبهة الداخلية في البلاد المحاربة لكي تعيش فى مناخ الحرب.

ولو أن رمضان تنبه لذلك، لأدرك أن الشخصية التي كان يؤديها إسماعيل ياسين في تلك الأفلام، قد رُسمت خصيصاً، لكي تؤدي الرسالة التي حملتها إلى المتفرج، وهى تنبيه المصريين إلى مستوى التطور والرقي الذي تلحقه الحياة العسكرية بالمدنيين الذين يلتحقون بالقوات المسلحة لأداء خدمة العلم.

لم تكن سلسلة الأفلام التي قدمها إسماعيل ياسين - كما توهم محمد رمضان - أفلاماً عسكرية، تروى بطولات القوات المسلحة المصرية، خلال الحروب المختلفة التى خاضتها ومنها حروب 1948 و1956 و1967 و1973.. ولكنها كانت سلسلة أفلام تسعى لاجتذاب عواطف المصريين نحو الحياة العسكرية وإبراز ما تحتويه من فضائل، وما تضيفه إلى الشخصية الإنسانية من مزايا، وهى مهمة أدتها هذه الأفلام باقتدار، وأداؤها لها، لا يحول بين محمد رمضان وبين القيام، بما عز على إسماعيل ياسين القيام به، وبما تؤهله له مواهبه الفنية وإمكاناته الجسدية، إذ لا أحد يحول بينه وبين أن يقدم مجموعة من الأفلام العسكرية عن البطولات التى قامت بها القوات المسلحة المصرية في خلال الحروب التي خاضتها، بدلاً من سلسلة أفلام الفتوات والبلطجية التي تخصص فى تقديمها!