سفير الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة.(أرشيف)
سفير الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة.(أرشيف)
الخميس 7 سبتمبر 2017 / 20:04

حديث السفير وإنسان الكهف

السفير العتيبة يضع بكلامه أُطراً للصور لا أكثر ولا أقل، أو لنقل إنه يذكّر هذه المجتمعات بأنها تعيش ضمن مول لا في كهف، وهذا سرّ امتعاض الإسلامويين من كلامه

في اعتقادي أن سرّ الجلبة التي حدثت حول حديث السفير يوسف العتيبة في الإعلام الأمريكي، بغض النظر عن استغلال قطر حديث السفير بشكل شعبوي، أن بعضهم اعتاد العيش بطريقة والتحدث بطريقة أخرى، يروح ويغدو على "المُول" لكنه يتحدث كأنه في كهف.

وإذا استوقفته في المول وسألته عن شعوره، سيجيب بأن السعادة تغمره من رأسه إلى قدميه، فإذا سألته عن رأيه في المكان، سيجيب بأنه يفضّل عليه الكهف، فإذا واجهته بأن سرّ سعادته هو أنه في مول، سيعترض ويلقي على مسامعك خطبة في فضل الكهف.

أحاديث السفير العتيبة ليست أمنيات للمستقبل، وإنما تعبير عن الواقع الذي لا يريد أن يسمع عنه الإسلاميون، لأنهم يسعون طوال الوقت إلى تغييره، وإحدى تكتيكات انقلابهم على أعقابهم هو منع فلسفة هذا الواقع، أي الحيلولة دون وضع أُطر للصور، لتسهل عليهم عملية الترويج لأُطرهم.

فمثلاً، تقوم عقيدة جيوش الدول الخليجية على حماية الاستقلال وضمان السيادة والذود عن الحدود، وهي عقيدة لا تلقى القبول لدى أصحاب العقيدة الأممية، إذ الجيش في نظرهم قوة دينية ضاربة لخصوم الإسلام الذي يزعمون أنهم يمثلونه، فالصورة هنا هو الجيش، والإطار هي عقيدة هذا الجيش، فإذا سمعوا من يتحدث عن العقيدة الوطنية للجيوش ضاقت صدورهم وسالت دموعهم.

وقل مثل هذا عن الدساتير، والقوانين، والمؤسسات، وغيرها من مفردات الدولة المعاصرة، فالدستور مثلاً ينص على المواطنة، والتي تعني تساوي المواطنين بغض النظر عن اعتقاداتهم الدينية في الحقوق والواجبات، في حين أن الإسلاميين لا يعترفون إلا بالمواطنة الدينية، فإذا تحدثت أمامهم عن المواطنة الحقيقية دارت أعينهم في رؤوسهم.

وعلى الرغم من أن أساليب الإسلامويين مرفوضة لدى عامة الناس، إلا أن بعضهم يشاطرهم أفكارهم الغبية، فهؤلاء أيضاً يرفضون فلسفة الواقع وإضفاء الشرعية عليه والاعتراف به، نتيجة خلطهم بين المفاهيم الدينية والمفاهيم العامة.

فمن المفاهيم الدينية عندهم المجاهرة بالمعصية، فعدم التزام المرأة بالحجاب شيء والتغني بعدم التزامها شيء آخر، وكذلك مفهوم استحلال الحرام، فترك الصلاة تكاسلاً شيء، وإنكار وجوبها شيء آخر، وبمثل هذه المفاهيم يدخلون إلى الواقع.

يرى هؤلاء أن الواقع تحفّه المخالفات الشرعية، لكن لا نيّة لديهم لتغيير هذا الواقع إلا بالثرثرة، وفي الوقت نفسه يرون أن من يتحدث بإيجابية عن هذا الواقع كأنما يجاهر بمعصية، ومن يفلسفه ويؤسس له فكرياً كأنه ينكر وجوب الصلاة لا يتكاسل عن أدائها فقط.

فمثلاً، يعتقدون أن الاختلاط بين الجنسين محرّم شرعاً، فإذا جاء من يشكّك في فهمهم للاختلاط المحرّم أو يتحدث عن تغير أحوال الدنيا، أدموا رأسه بالحجارة ولطّخوا اسمه بالتفسيق، لأنه في نظرهم استحلّ حراماً وراح يحسّنه في العيون.

السفير العتيبة يضع بكلامه أُطراً للصور لا أكثر ولا أقل، أو لنقل إنه يذكّر هذه المجتمعات بأنها تعيش ضمن مول لا في كهف، وهذا سرّ امتعاض الإسلامويين من كلامه، وكذلك الدائرين في فلك الإسلامويين من حيث لا يشعرون.