دبابة إسرائيلية في الجانب المحتل من هضبة الجولان.(أرشيف)
دبابة إسرائيلية في الجانب المحتل من هضبة الجولان.(أرشيف)
الأحد 10 سبتمبر 2017 / 20:09

علاقات إسرائيل ودورها في سوريا..!!

على الروس والأمريكيين والإيرانيين، وكذلك النظام، أن يعترفوا بدور إسرائيل كطرف في كل نقاش مُحتمل لترتيبات ما بعد الحرب الأهلية، التي تجاوزت مرحلة تمكين طرف من الفوز على طرف،

ضل نسر يقيم في محمية طبيعية، أنشأها الإسرائيليون في الجولان المُحتل، طريقه قبل أيام وهبط في الجانب الآخر الخاضع لسيطرة فصائل مسلّحة من المعارضة السورية. وتصادف أن مفاوضات استعادة النسر، وإعادته إلى المحمية، من جانب إسرائيل، جرت، أيضاً، في وقت شهد أحدث غاراتها على ما وصفته مصادرها بمعمل ينتج أسلحة كيماوية، ويطوّر تكنولوجيا الصواريخ، يتبع نظام آل الأسد.

لا تبدو، للوهلة الأولى، علاقة واضحة بين الأمرين، ولكن في كليهما ما يحيل إلى طريقة عمل السياسة الإسرائيلية، على أكثر من جبهة، في سوريا. في الحالة الأولى، مثلاً، لم يُفصح الإسرائيليون عن هوية الجماعة المسلحة التي قبضت على النسر، ولم يكشفوا هوية الطرف الثالث، الذي مارس دور الوسيط في المفاوضات: هل هو محلي أم إقليمي؟ وهل حصلت الجماعة المُسلّحة على مكافأة من نوع ما؟

من المعروف أن فصائل جهادية مختلفة تتمركز على الجانب الآخر في الجولان. ومن المعروف، أيضاً، أن الإسرائيليين أقاموا، منذ سنوات علاقات مع بعضها على الأقل، فقدموا لها مساعدات لوجستية، كما عالجوا جرحاها في مراكزهم الطبية، وفي الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية الكثير من الصور والمعلومات في هذا الشأن. وقد كان، ولا زال، على رأس أهدافهم المُعلنة تأمين المنطقة الحدودية، وخطوط التماس في الجولان بعناصر "موالية"، بعد استخلاص الدروس من تجارب سابقة، فاشلة، ومُكلفة، بالمعنى المادي والسياسي، لإنشاء مناطق أمنية عازلة في لبنان.

ومن المعروف، أيضاً، أن البعض في المعارضة السورية وقع في وهم أن انخراط الأمريكيين بطريقة فاعلة في إسقاط نظام آل الأسد يمر، بالضرورة، عبر البوّابة الإسرائيلية. لذا، قام البعض ممن يدعي الانتماء إلى المعارضة بزيارات علنية لإسرائيل. وعلى الرغم من حقيقة أن هذا البعض كان هامشياً وقليل النفوذ في المعارضة السورية، إلا أن وهم الوصول إلى قلب واشنطن عن طريق إسرائيل كان شائعاً في أوساط مختلفة.

وقد نجم هذا الوهم عن فشل في إدراك حقيقة الموقف الإسرائيلي من الصراع في سورية وعليها. فالخيار الإسرائيلي مع اندلاع الحرب الأهلية، في سوريا، لم يكن مع ترجيح كفة طرف على طرف، بل العمل على، والاستفادة من، ديمومة الصراع، لاستنزاف وإنهاك الدولة والمجتمع السوريين. وبهذا المعنى، لم تكن إسرائيل مع إسقاط نظام آل الأسد، ولا مع فوز المعارضة.

ومع ذلك، لا ينبغي القول إن السياسة الإسرائيلية لم تشهد تحوّلات فرضتها طبيعة التطوّرات الميدانية، وموازين القوى على الأرض، وسياسات قوى إقليمية ودولية انخرطت في الأزمة السورية. فالتدخل الإيراني، وملحقاته أي حزب الله والميليشيات الطائفية، إلى جانب نظام آل الأسد، جعل من الأزمة السورية ورقة في سياسة إسرائيل إزاء إيران.

وفي السياق نفسه، فإن التدخل الروسي الفاعل إلى جانب النظام، فرض على الإسرائيليين، ولا زال، عمليات متلاحقة لاختبار النوايا، ومعرفة مدى التزام الروس بالدفاع عن النظام، أو سماحهم للإيرانيين وحزب الله بتشكيل تهديد محتمل على جبهة الجولان. وهذا ما لا يمكن التحقق منه، أو ضمانه، دون تفاهم إسرائيلي كامل مع الأمريكيين والروس. وهذا ما لم تتضح ملامحه النهائية بعد.

وإذا نظرنا إلى هذا كله في سياق ما أحرزه النظام، مع حلفائه، من تقدّم على الأرض، في الآونة الأخيرة، فإن السياسة الإسرائيلية تحتاج لمواكبة كل هذه التطوّرات، ومن بينها أن يعترف الروس والأمريكيون والإيرانيون، وكذلك النظام، بدور إسرائيل كطرف في كل نقاش مُحتمل لترتيبات ما بعد الحرب الأهلية، التي تجاوزت مرحلة تمكين طرف من الفوز على طرف، وانتقلت إلى مرحلة تقاسم النفوذ بتسويات قصيرة ومتوسطة المدى على الأرض.

لذا، في عودة النسر ما يعيد التذكير بعلاقة إسرائيل الودية مع قوى محلية مُسلّحة في سوريا، وما لأمر كهذا من تداعيات ودلالات سياسية وميدانية. وفي أحدث الغارات ما يعيد التذكير بإصرار الإسرائيليين، (وتحت طائلة التهديد بإفساد اللعبة)، على دورهم، ومكانهم، ومصالحهم، في كل ترتيبات محتملة لسوريا ما بعد الحرب الأهلية.