مقاتلون من داعش يصوبون مسدسات الى رؤوس رهائن لديهم.(أرشيف)
مقاتلون من داعش يصوبون مسدسات الى رؤوس رهائن لديهم.(أرشيف)
الإثنين 11 سبتمبر 2017 / 18:47

وعود داعش

العالم الثالث الإسلامي تصاعد نفيره ولا ندري إلى الآن إلى أين يصل النفير وكم سيعبّئ وكم سيٍستقطب

يكاد داعش يكون على الحافّة، في كل مكان يصارع ليبقى على أيّ وجه كان والواضح أنّه أمام خيارات مستحيلة، ليس الهرب أو الإنسحاب أسوأها. قد يكون داعش على وشك الزوال، وقد يظهر بعد قليل أنّه مهما سلك فالإنتحار نصب أعينه. هكذا يولّي داعش كما جاء. لقد جاء فجأة وبشكل ملغز وساد وامتدّ في سوريا والعراق ولبنان بصورة فجائيّة وبطريقة غير مفهومة ولا مفسّرة، واليوم يغادر بالطريقة ذاتها. لقد احتاج هذا التحالف، الذي ضمّ العالم كلّه، ضدّه، إلى سنوات ليتسنّى له أن يدمّره وليثبت الّذي بدا بدون حاجة إلى إثبات، أي الحضور والبقاء برغم العالم كلّه، والعجز عن الإستمرار في وجه العالم كلّه. حقيقتان تعاقبتا واحتاج تواترهما إلى سنوات.

كان وجود داعش صادماً وملغزاً لدرجة أنّه إجتلب قدراً من التفاسير التي تبحث، في العادة، عن السبب خارج موقعه، وكالعادة انجرّ البحث إلى الغرب وإلى أميركا، فيما لم يتقف البحث في موقعه الأصلي أي الإسلام والعالم الإسلامي الّذي برهن داعش بوجه خاصّ عن قدر من اللحمة والتساوق فيه لم يكونا متوّقعين ولم تكشف الأحداث من قبل عنهما. لقد اكتشفنا مع داعش أنّ العالم الإسلاميّ حقيقة موجودة، وأنّ هذا العالم الهائل الّذي يفوق الغرب يتجّه إلى عصبيّة لم تكن ملحوظة من قبل، يتجّه إلى درجة من اللحمة والإتصّال والتناسق لم تعرف قبل الآن. الآن لا يمكن تجاهل أن هذا العالم يوجد ويزداد وجوداً، بحيث لايمكن الإنكار أننا أمام عالم مقابل، وأن الغرب حين يضعه في نفس الضديّة الّتي كان فيها المعسكر الشيوعي لا يخطئ، لا يخطئ الغرب حين يجد في العالم الإسلامي اليوم منجم العداوة للغرب ومنجم الإرهاب، ولا نعرف إلى متى يدوم ذلك وإلى أين يصل الصراع.

العالم الثالث الإسلامي تصاعد نفيره ولا ندري إلى الآن إلى أين يصل النفير وكم سيعبّئ وكم سيٍستقطب. لا ندري لكن كلّ شيء يثبت أنّنا لا نزال في البدء وأنّ الإسلام كهويّة، والإسلام كعنوان للصراع، والإسلام كنظريّة لحروب أهليّة وحروب من كلّ نوع، والإسلام كنفير يزداد دويّه ويزداد صداه، أكثر فأكثر، إلى أعماق القارّة الإسلاميّة، الإسلام كراية عالميّة، الإسلام هكذا قد لا يكون إلاّ في البداية، وقد لا يكون زوال داعش او انتكاسها أوّل النهاية للإسلام الجهادي والإسلام العنفي. قد تكون تجربة داعش هي السيناريو الأوّل والنسخة الأولى، على المستوى التنظيمي والمستوى العسكري والمستوى النظري، فقد فات الّذين فوجئوا بتنظير داعش ووجدوه منقطعاً عن الإسلام الأصلي، أنّ إسلام داعش هو ابن التجربة العالمية للإرهاب الثوري، وهي تجربة طالما صفقنا لها وطالما اجتذبتنا في أمريكا اللاتينيّة وفي ألمانيا وإيطاليا واليابان. أمّا عبادة العنف التي طبعت تجربة داعش فلا تختلف كثيراً عن عبادة العنف التي وسمت تلك التجارب العالميّة الّتي سبقتها. بل يمكن القول إنّ الثورة لا تزال تجد في العنف مرادفاً لها ولا تزال تجد في الإفراط في العنف، أيّا كان التبرير النظري، علماً على الثورية ومرادفاً لها.

من هنا لا نطمئنّ إلى أنّ انتكاس تجربة داعش هو نهاية التجربة والدليل الماديّ على فشلها، الأرجح أنّ العودة للإسلام، بأيّ طريقة كانت، واستخلاص خميرة ثوريّة منه، وتفسيره كمرادف للعنف واعتبار العنف مرادفاً للإيمان. الأرجح أن هذا السبيل إلى الإسلام لن يندثر بهذه السرعة، وأن سقوط الشيوعية وتعثّر الطريق القومي والإنسحاب أمام الغرب، الأرجح أنّ كلّ ذلك يفتح الطريق أمام فلسفة عالميّة جديدة، قد يكون الإسلام مصدرها. عند ذلك سيرث الإسلام الثورة العالميّة وغضاضة العالم الثالث ودونيته والعنف الثوري وكراهية الإستعمار الممثل في الغرب.سيكون الإسلام في القارة الإسلاميّة هو النظرية والطريق ما بعد الكولونيالي.