مقاتلون من داعش يهربون من القصف في الرقة.(أرشيف)
مقاتلون من داعش يهربون من القصف في الرقة.(أرشيف)
الأحد 17 سبتمبر 2017 / 20:09

داعش لن ينتهي وإنما سيتحول

النظم التي فتحت أبواب بلادها للمليشيات وغذت المذهبية والشعوبية، تحت مسميات ودوافع مختلفة، تؤسس أيضاً لداعش جديد إن لم يظهر بعد سنة فبعد ذلك بقليل

دولة داعش آخذة بالأفول. الحيز الجغرافي الذي شغلته علناً، وأقامت نظامها عليه، ينحسر بصورة ملحوظة، إلى حد توقع كثيرين بأن زوالها النهائي سيكون خلال سنة على الأكثر.

لماذا طال أمد دولة داعش مع أنها الأقل تسليحاً وإمكانيات من التحالفات الإقليمية والدولية، التي نشأت تحت عنوان القضاء عليها في إطار الحرب الكونية ضد الإرهاب.

بمتابعة لمجرى الحرب التي بادر بها داعش أو التي قام بها محاربوه وخصوصاً في سوريا والعراق، يبدو جلياً أن طول الأمد لم يكن متعلقاً بقوة شكيمة داعش، وتميزه القتالي والعسكري ولا بضعف محاربيه الذين يمتلكون كل أسلحة الكون، فما الذي يتبقى بعد روسيا وأمريكا؟.

طول أمد الحرب كان له سبب وحيد، هو حاجة الأجندات المتصارعة على النفوذ لمبرر لتعظيم القوى وزيادة مساحة النفوذ والحصص، فتحت عنوان داعش، بنيت قواعد عسكرية ضخمة وخصوصاً على الجغرافيا السورية، وتغير الواقع الديمغرافي بصورة واضحة بل ومبالغ فيها على الجغرافيا السورية والعراقية، وجرت تدخلات مباشرة وغير مباشرة تحت عنوان "داعش والإرهاب" ، وحين يتفاهم أصحاب الأجندات أو يقتربون من التفاهم، تتهاوى قلاع داعش واحدة بعد أخرى، وتتحول الدولة المرعبة إلى فلول ينقلون من مكان الى آخر، حسب متطلبات ما تبقى من الأجندات .

هذا ما يبدو جلياً الآن، إلا أن ما سيترتب على هذه الحرب الطويلة والمدمرة ربما يكون أقسى مما حدث في سنوات الحرب الفائتة، وحين ندقق في منابع الظاهرة الداعشية وما يحاكيها من ظواهر مماثلة في العديد من المجتمعات، فإننا نوقن بأن أي نصر عسكري مهما بدا ماحقاً وجذرياً فلن يقتلع الشوكة من جذورها.

آثار الحرب على داعش والطرق المذهبية التي فرضت نفسها في هذه الحرب، تفرز وبصورة منطقية دواعش أخرى وإن كانت بصور متباينة.

النظم التي عجزت عن تحويل بلدانها إلى دول، تهيئ عن قصد أو دون قصد، حاضنة لداعش جديد، والنظم التي اعتمدت على العسكر وأجهزة الأمن بديلاً عن التنمية والقانون والعدالة واحترام إنسانها، تؤسس أيضاً لداعش جديد، والنظم التي فتحت أبواب بلادها للمليشيات وغذت المذهبية والشعوبية، تحت مسميات ودوافع مختلفة، تؤسس أيضاً لداعش جديد إن لم يظهر بعد سنة فبعد ذلك بقليل.

وأنا أتابع انحسار دولة داعش، وما يطفو على السطح من لغة احتفالية بالإنجازات العسكرية التي تتحقق، أضع يدي على قلبي، وأخاف على مصير المجتمعات التي تورطت في حرب لم تبق ولم تذر، وكانت زمنياً بطول الحرب الكونية، فهل هؤلاء الناس الذين فقدوا حياتهم وهاموا على وجوههم في أصقاع الأرض وغرق منهم من غرق في قاع البحر سوف يسعدون بالانتصارات العسكرية لمجرد وداعهم للبراميل المتفجرة والاعدامات الجماعية؟.

الذي أنتج داعش هو الإدارة الغشيمة والفظة للشعوب والكيانات، وما دامت نهاية الحرب على داعش هي مجرد استعادة لما كان قبلها، فيصدق القول إن داعش لن ينتهي وإنما يتحول.