"كي لا ننسى مجزرة صبرا وشاتيلا"... في أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان.(أرشيف)
"كي لا ننسى مجزرة صبرا وشاتيلا"... في أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان.(أرشيف)
الإثنين 18 سبتمبر 2017 / 20:06

صبرا وأخواتها.. من الشتات إلى الوطن!

فؤاد أبو حجلة

ما يخيف أكثر من مجازر صبرا وشاتيلا وتل الزعتر والبلديات واليرموك هو السعي لقتل الذاكرة الحية ومحاولات كتم الأنفاس الوطنية في الضفة والقطاع بأدوات أمنية محلية

في وطن عربي غارق في الدم وفي النسيان، مرت يوم السبت الذكرى الخامسة والثلاثون لمجزرة العصر في صبرا وشاتيلا بهدوء وصمت شبيه بصمت قبور الضحايا، مثلما مرت بهدوء وصمت معيب ذكرى مجزرة تل الزعتر في الثاني عشر من أغسطس (آب) الحزين.

في زمن المجزرتين كان الحال الفلسطيني مختلفاً، وكان الفلسطينيون ومعهم قوى اليسار العربي أصحاب موقف واضح وفعل منسجم مع شعار الحرية للأرض وللإنسان، لذا كانوا هدفاً لقوى الشر وحلفاء إسرائيل في الداخل العربي الذي تبين في الحرب اللبنانية كم كان مخترقاً ومنخوراً بعملاء المشروع التوراتي الذين شكلوا رأس حربة إسرائيلية في زمن الحرب، وتصدروا المشهد السياسي في زمن الحلول والتسويات البائسة.

كان ذبح الفلسطيني في تل الزعتر في العام 76، تجربة أو مناورة بالذخيرة الحية لقياس رد الفعل العربي على مشروع الإبادة الذي نفذت إسرائيل حلقاته المتعاقبة بأدواتها المحلية المعلنة وبتحالفاتها واتفاقاتها السرية مع دول وكيانات سياسية فاعلة في الساحة اللبنانية. وقد كان رد الفعل، أو اللافعل، مريحاً تماماً لإسرائيل التي مضت فيما بعد بتنفيذ مجازرها المتعاقبة في حربها المعلنة لإبادة الفلسطيني، وكانت في الكثير من المناسبات توكل مهمة الذبح إلى عملاء محليين أو حلفاء إقليميين، حتى لا تكون أيديها ملطخة بالدم، وحتى تظل صورتها الزائفة تلمع في الغرب كمنارة للديمقراطية في شرق المتوسط.

ولم يكن مفاجئاً أن يتم تنفيذ مذبحة تل الزعتر بالسلاح الطائفي المحمي بمظلة النظام السوري وقواته التي دخلت لبنان لردع الفلسطينيين، رغم تشدق النظام بقيادته للمشروع القومي المناهض للاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية، ولم يكن مفاجئاً أيضاً أن يكون قائد المجموعات الإجرامية التي اقترفت مجزرة صبرا وشاتيلا إيلي حبيقة، قبل اغتياله، وزيراً في ثلاث حكومات لبنانية صديقة لدمشق التي رحبت به واستضافته بعد المجزرة ليقيم في فيلا فاخرة في الفيحاء باعتباره حليفاً للنظام وصديقاً حميماً للوزير المنقلب لاحقاً عبد الحليم خدام.

كتائبيون وقواتيون آخرون شاركوا في ارتكاب المجزرة صاروا فيما بعد سياسيين "مرموقين" يتمتعون بعلاقات قوية مع عواصم عربية وصداقات حميمة مع مسؤولين عرب، وهم في الوقت نفسه يعتزون بتاريخهم الدموي ونشاطهم المحموم في حماية لبنان وتطهيره من "الغرباء الفلسطينيين"، ويتوزعون في انحيازاتهم وولاءاتهم بين معسكري 8 و14 مارس (آذار) ويحتفظون بولائهم المطلق للمشروع التوراتي الذي يستهدف لبنان وكل الأرض العربية.

في المقابل يختار فلسطينيون أن ينسوا "صبرا وشاتيلا" ويتورط بعضهم في العلاقة مع سياسيين شاركوا في ذبح الفلسطيني، بل إن أحد رموز الجريمة ويدعى أنطوان زهرة زار غزة ضمن وفد نيابي لبناني والتقى برئيس حكومتها آنذاك إسماعيل هنية.

صحيح أن صبرا وشاتيلا لم تكن أول المجازر التي تقطع فيها رقاب الفلسطينيين وتبقر فيها بطون الفلسطينيات، وربما لن تكون آخرها، لكنها كانت وستظل أبرز شواهد عصر الردة العربية، التي كان الفلسطيني ضحية لها على امتداد خريطة شتاته في أرض العرب، وما كانت مذبحة الفلسطينيين في منطقة البلديات في بغداد في زمن التطهير الطائفي بعد الاحتلال إلا نموذجاً لهذه الردة، ولعل القصف المحموم لمخيم اليرموك في دمشق من قبل قوات النظام أحياناً وإرهابيي داعش والنصرة في معظم الأحيان نموذج آخر لاستهداف الفلسطيني خارج أرضه.

لكن ما يخيف أكثر من مجازر صبرا وشاتيلا وتل الزعتر والبلديات واليرموك هو السعي لقتل الذاكرة الحية ومحاولات كتم الأنفاس الوطنية في الضفة والقطاع بأدوات أمنية محلية تم تدريبها لتنفيذ مهمات الحماية للعدو، وتم تلقينها عقيدة قتالية موجهة ضد الداخل، انسجاماً مع الدور المطلوب منها كأداة سيطرة لنظام فلسطيني (بشقيه في رام الله وغزة) يعتبر نفسه عضواً فاعلاً في المنظومة السياسية العربية الملتزمة بالسلام التسووي باعتباره قدراً عربياً لا فكاك منه.

كان الفلسطيني في سنوات الجمر ضحية، ويبدو أنه سيظل ضحية في سنوات الرماد السياسي الذي لا تنهض منه العنقاء.