(أرشيف)
(أرشيف)
الأربعاء 20 سبتمبر 2017 / 10:54

السياسات القطرية الخاطئة من أجل الخروج من الوضع الشاذ بأقل الخسائر

الأيام البحرينية - كمال الذيب

في حديث أجراه الصحافي البريطاني روبرت فيسك مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، توقف الدبلوماسي السوري عند لقائه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 بأحد كبار المسؤولين في دولة قطر آنذاك، مؤكداً أن هذا المسؤول قال له ما معناه: "إذا قبلتم المبادرة (يقصد المبادرة العربية حول سوريا آنذاك) سأغيّر موقف الجزيرة منكم، وأطلب من يوسف القرضاوي دعم المصالحة، وأضع على ذمتكم مليارات الدولارات لإعادة بناء بلادكم".

وبغض النظر عن مدى دقة ما نقله الصحافي عن وزير الخارجية السوري، ومدى صحة ما قاله الدبلوماسي السوري بخصوص الدور القطري في المسألة السورية، فإن المهم هنا هو طبيعة العناصر التي عززت الدور القطري، على الصعيد العربي تحديداً، وهي: القناة الفضائية ودفتر الشيكات والدور الديني للشيخ القرضاوي وتأثيره الكبير آنذاك في الشارع العربي، إضافة الى عوامل أخرى من بينها تراجع وانكفاء أدوار القوى الإقليمية العربية الكبرى، مثل العراق وسوريا ومصر في خضم ثورات الربيع العربي، والدور المتصاعد للإسلام السياسي الذي وصل الى السلطة في مصر، قبل ان تتم إزاحته منها، ووصل إليها في تونس أيضا قبل ان يضطر للخروج منها مرغماً.

تمكنت قطر خلال فترة الغليان العربي والفوضى التي اجتاحت عدداً من البلدان العربية المشاركة في الإطاحة بالقذافي، ودعم الثورة في سوريا، وفي دعم الإسلام السياسي في مصر وتونس، وفي السودان.

ولم يعد خافياً عن أحد أن دبلوماسية دفتر الشيكات مكنت قطر من عقد تحالفات استراتيجية مع حركات الإسلام السياسي، حيث قدمت مساعدة مالية لحكومة الاخوان في مصر، كما تكفلت ببناء مقر جماعة الإخوان في القاهرة، ودعم الجماعة مادياً، كما قدمت لحزب حركة النهضة في تونس دعماً مالياً كبيراً، ومولت حملته الانتخابية السابقة.

وبات هذا الأمر معلوماً من الجميع، وملموساً على الأرض، من خلال ما ظهر على حزب النهضة من "رفاه طارئ" وبذخ المقرات والسيارات والسفرات وغيرها من الامتيازات التي استخدمها هذا الحزب الإسلامي من أجل التأثير على جمهور الناخبين.

وبذلك كان للمال السياسي دور كبير في كسب الأصوات والوصول إلى السلطة، مما دفع أحد الأحزاب في تونس إلى رفع قضية ضد حزب حركة النهضة بتهمة الحصول على تمويلات ضخمة من قطر في سياق قضية ما أصبح يطلق عليه اسم ملف (المال السياسي).

تجاوز الأمر هذا الجانب المعلوم إلى التحالفات مع عدد من الدول من خارج الإقليم العربي. وهي تحالفات قائمة على أساس جعل قطر حاضرة في العديد من القضايا الدولية والإقليمية الساخنة: مثل ليبيا وسوريا ومالي وغيرها من المناطق التي تشهد حالة من الاضطراب والفوضى، وعزز ذلك قدرة قطر على التمويل والدعاية الإعلامية، وما يمكن أن توفره قطر من عقود استثمار ضخمة، يسيل لها لعاب الشركات العالمية.

إضافة إلى توظيف واستخدام جماعات الإسلام السياسي والتي وجدت ملاذاً آمناً في الدوحة، بما جعل منها ورقة ضغط وتأثير على الشارع العربي الذي كان ينصت إلى صوتها ويصدق انها تمتلك الحل السحري لكافة مشاكله.

من المهم عدم نسيان حقيقة واضحة وأكيدة ولكن يتم تجنب ذكرها، مجاملة للحليف الأمريكي، وهي أن قطر أصبحت عنصراً مهماً في معادلة التحالفات الأمريكية، وفي خارطة برامجها للمنطقة، من خلال معهد الديمقراطية الذي تستضيفه الدوحة، أو من خلال الأدوار التي رسمت للدوحة أن تلعبها في أكثر من مكان، من خلال هذه الأدوار التي انكشفت بعض تفاصيلها علنا بعد الازمة الأخيرة، إضافة إلى ترسانة من الأدوار السلبية التي لعبتها ضد أمن واستقرار عدد من دول المنطق، في الوقت الذي تعلن من خلال خطابها الإعلامي والسياسي عكس ذلك.

مما يجعل الوضع لا يخلو من تناقض غريب، إلى الدرجة أن السيد كليفورد ماي، وهو كاتب ورئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية الأمريكية، شخص هذه العلاقة المتناقضة بقوله: "إن هناك دولاً أخذت موقفنا ضد الإرهاب، وهناك من يعادينا، وهناك من تبنى موقفاً معنا وضدنا في نفس الوقت، ولم تتخط أي دولة هذا الخط كما فعلت قطر، فهي كانت معنا ومع العدو في أن واحد، من حيث أن قطر وفرت الدعم لأمريكا وللإرهابيين معاً".

تماماً مثلما حدث مع الفرنسيين، حيث كانت الدوحة حليفاً رئيسياً لفرنسا في الإطاحة بالقذافي، وتسليح المليشيات المناوئة له، ولكن عندما تدخلت فرنسا في مالي اكتشفت أن الداعم الرئيسي للميليشيات الانقلابية في هذه الدولة الأفريقية هي قطر، وقس على ذلك في العديد من الحالات في اليمن وسوريا، وليبيا والتي باتت معلومة للجميع.

جوهر المسألة في الخلاف مع قطر يتمحور حول هذه النقاط الرئيسية التي تلخصها العناصر التي أشرنا إليها، فإذا ما تخلت قطر في سياستها عن التدخل في شؤون الآخرين والتوقف عن دعم جامعات الإسلام السياسي المصنفة في العديد من البلدان إرهابية متطرفة، والتوقف عن إيواء عدد من العناصر المصنفة إرهابية ومعادية لأمن واستقرار عدد من الدول العربية، وإذا ما توقفت عن التحريض الممنهج عبر الاعلام، فإن الخلاف مع الدول العربية المقاطعة لها سيتجه تدريجياً نحو الانتهاء.

إن المعادلة واضحة إذن: إما الالتزام بما هو منطقي ومفترض ألا يكون محل نقاش أو جدال أو لجاج: (وهو احترام الثوابت والوفاء بالالتزامات في العلاقات العربية العربية والتعهدات السابقة)، وإما المحافظة على وضع شاذ وغريب وغير منطقي، بالإصرار على دعم تلك الجماعات المنبوذة ودعمها بالمال والسلاح، وإيواء المتهمين بالإرهاب، والاستمرار في التحريض الإعلامي على عدد من الدول الخليجية والعربية. وهو وضع لا يخدم أحداً في النهاية، بمن فيهم دولة قطر نفسها، ومن شأنه أن يؤدي إلى تخريب بنية مجلس التعاون الخليجي وتهديد المكتسبات التي تحققت.

إن المأمول أن تستعيد السياسة القطرية الرشد المطلوب والذي من شأنه أن يعيدها إلى حضنها الخليجي والعربي الطبيعي، ويؤدي إلى تفكيك عناصر هذه الازمة والحفاظ على كيان مجلس التعاون الخليجي في النهاية.