أكراد عراقيون يتظاهرون دعماً للاستفتاء على الاستقلال. (أرشيف)
أكراد عراقيون يتظاهرون دعماً للاستفتاء على الاستقلال. (أرشيف)
الأربعاء 20 سبتمبر 2017 / 20:08

في فوضى التفكير والممارسة

يجد التمادي بعض تجلياته في استمرار البعض بدعم وتأييد فوضى ما سمي بـ "الربيع العربي" وتصويرها على أنها ثورات رغم نتائجها وتضخم الشبهات المحيطة بها ثم يتلاشى الاندفاع ليتحول إلى تناقض حين يتعلق الأمر بحق الشعب الكردي في الاستفتاء على تقرير مصيره

بعيداً عن تنميطات "الشرق" و"الغرب" الممتدة جذورها إلى بدايات الاستشراق والمصطلحات التي سعت لتأطير شعوب المنطقة والنظر إليها من بعيد مثل تعبيرات "العالم الثالث" و"الشرق الأوسط"، تبقى هناك حاجة لتسليط الضوء على ظواهر تكشف اختلالات التفكير والسياسة في بلادنا دون إعادتها إلى عقد التفوق والدونية.

أبرز الاختلالات وأكثرها حضوراً ما يعبر عنه سلوك سياسي لنظام أو شخص يصل إلى السلطة بانقلاب ويتمادى في المزاوجة بين التنظير للشرعية وحق الشعوب في الثورة على حكامها دون أي اعتبارات لوضعه الداخلي أو طريقة وصوله إلى الحكم.

التمادي في حالة الشيزوفرينيا التي يمثلها هذا السلوك يقود إلى سلوكيات أخرى مثل التجرؤ على مهاجمة دكتاتوريات والتحالف مع أخرى أكثر دكتاتورية، وغالباً ما يترافق مثل هذا السلوك مع إصرار على تكميم أفواه المعارضين ورفض تقديم أية تنازلات تذكر عن جمع السلطات بين أصابع كف واحدة.

يجد التمادي بعض تجلياته في استمرار البعض بدعم وتأييد فوضى ما سمي بـ "الربيع العربي" وتصويرها على أنها ثورات رغم نتائجها وتضخم الشبهات المحيطة بها ثم يتلاشى الاندفاع ليتحول إلى تناقض حين يتعلق الأمر بحق الشعب الكردي في الاستفتاء على تقرير مصيره في أحد مناطق تواجده والتعبير عن خصوصيات هويته وثقافته وتطلعاته في مناطق وجوده الأخرى.

لا تقف الأمور عند هذا الحد، ففي المشهد ما يوحي بخوض البعض حروب ضد طائفة بعينها مستنداً الى ديماغوجيا الإسلام السياسي التي لا تترك مجالاً للتعبير عن رفض شرور الطائفية ومخاطرها على وحدة البلدان وتعايش مواطنيها.

يمكن إسقاط ظاهرة الاختلالات على الإخفاقات المتلاحقة للمعارضات السياسية في المنطقة ففي سلوكياتها الكثير من الايحاءات بتمثل الأنظمة السياسية التي تعارضها رغم ادعاءات القدرة على إيجاد بدائل أكثر حضارية.

المثقف العربي غير بعيد عن هذه الشيزوفرينيا فهو يقولب خطابه الفكري والسياسي بناء على نشرة الأخبار اليومية دون التفات لضرورات التمييز بين الثابت والعابر والاستراتيجي والتكتيكي، وتتوقف فعالية ليبراليته ويساريته عند حدود معينة مما يجعلها قابلة لاستخدامات نقيضة لجوهر فكرتها.

تضعنا دلالات هشاشة المجتمع والكثير من إفرازات السلطة والمعارضة في بلادنا أمام تصورات غير مطمئنة للتفكير والممارسة السياسية في المراحل المقبلة ما لم تظهر روافع جديدة تعيد الاعتبار إلى أهمية مراجعة الاختلالات والتناقضات وضرورات تقويمها والوصول إلى طرق تفكير أكثر تماسكاً، وفي جميع الأحوال تبقى هذه الدلالات نتاج غياب النضج والخلط الناجم عن انعدام استقرار تجربة الدولة القطرية كما عرفتها نخبنا وشعوبنا.