عرض عسكري كوري شمالي.(أرشيف)
عرض عسكري كوري شمالي.(أرشيف)
الأربعاء 20 سبتمبر 2017 / 19:59

معضلة كوريا الشمالية

ماذا لو كانت كوريا الشمالية هي الورقة الناعمة لروسيا والصين؟ السي إن إن تصرخ يومياً بعدم جدية روسيا والصين أمام جنون كيم جونغ

صواريخ كوريا الشمالية تضع الولايات المتحدة الأمريكية، أو شرطي العالَم، في موقف يزداد تعقيداً وإحراجاً، أمام حليفتيها، كوريا الجنوبية، واليابان. ليس هذا بالطبع يعني أن القوة العسكرية لكوريا الشمالية تساوي شيئاً، أمام الترسانة النووية التي تملكها أمريكا، أي أن هذا ليس سباقاً في التسليح بين كوريا الشمالية وأمريكا، ولا يشبه سباق التسلح النووي في الستينيات والسبعينيات بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، والذي انتهى بسقوط الاتحاد السوفييتي اقتصادياً.

 لكن طبيعة العولمة التي تفترض أن الكون مُركَّب من قطع دومينو، وأن كل قطعة لا ترجع أهميتها لحجمها، فهي متساوية، بل إلى مكانها في البناء المُركَّب. ولهذا لا تُعْتَبَر كوريا الشمالية عدواً صغيراً للولايات المتحدة الأمريكية، بل تُعْتَبَر عدواً للشمول المعولم. مفاجأة، العولمة شمولية، وهي الكلمة التي وُصِفَتْ بها ديكتاتوريات سابقة. تنتظر اليابان من شرطي العالَم، رداً على كوريا الشمالية، أكثر ردعاً، أكثر من العقوبات الاقتصادية، ومن المناورات الاستعراضية العسكرية.

هل ستطلب اليابان من الولايات المتحدة، السماح لها بتطوير وتوسيع سلاحها؟ قد يعني هذا الطلب، أن مدة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على اليابان المهزومة، بعد الحرب العالمية الثانية، قد طالتْ أكثر مما ينبغي. مجرد تَخيُّل الولايات المتحدة، أن تترك العنان للعقل الياباني، لتطوير وتوسيع سلاحه، كابوس مزعج لا تحتمله. فما زالتْ ذكرى الطيارين اليابانيين، الفدائيين، الانتحاريين،"الكاميكازي"، وهجماتهم الشرسة بطائراتهم، وسقوطهم من السماء مثل الصواعق، وبما يحملونه من متفجرات، على القطع البحرية للولايات المتحدة والحلفاء، في الحرب العالمية الثانية، عالقة في الذهن الأمريكي.

بذل شرطي العالَم عبر خمسة عقود، جهوداً مضنية، لنزع فتيل الساموراي الياباني، وتدجينه إلى حد الخنوثة، إلى حد أن باراك أوباما قبل انتهاء فترة رئاسته الثانية، ذهب إلى مدينة هيروشيما التي قصفتها الولايات المتحدة 1945 قصفاً نووياً، ليضع إكليلاً من الزهور أمام تمثال الضحايا. يقتلوا القتيل ويمشوا في جنازته.

في العرض العسكري الذي أقامته كوريا الشمالية 2017، شككت وسائل إعلام أمريكية كبرى، في رؤوس الصواريخ الكورية، وقالت بأنها قد تكون نماذج خشبية، أو كرتونية مزيفة، لكن كوريا الشمالية بعد فترة من العرض العسكري، أطلقتْ صاروخين باليستيين، أحدهما عبر فوق اليابان، هذا إلى جانب تجربة قنبلة هيدروجينية، أعلنتْ كوريا الشمالية، أنه يمكن تحميلها على صاروخ باليستي. فيديوهات إطلاق الصواريخ الكورية المهيبة، جعلتْ معلومة الصواريخ الخشبية، التي ربما كانت معلومة حقيقية، كأنها معلومة لم تكن، وكأنّ النسيان ابتلعها. هل خان الوقت الولايات المتحدة في توجيه ضربة مناسبة إلى كوريا الشمالية، ضربة كالتي حدثتْ في فيتنام؟ بالتأكيد كان الماضي يحمل علامة ما، على أن كوريا الشمالية لا بد لها، وأن تُضرب الآن، ضربة مباشرة من الولايات المتحدة، إلا أن الولايات المتحدة نفسها، تحت أعباء شرطي العالَم، وهي أعباء تزداد تعقيداً، وتثقل كاهل الشرطي، أجَّلتْ الضربة إلى وقتٍ غير معلوم، والتأجيل يؤدي دائماً إلى تفاقم الوضع.

حقيبة الأسلحة الأمريكية، الناعمة المتنقلة، الديمقراطية، حقوق الإنسان، الحريات، الأقليات، الطائفية، لن تنفع مع كوريا الشمالية، الكتلة الصلدة، أو ستحتاج الحقيبة، كي تدور نواعمها، كثيراً من الوقت. لا بد من ضربة مباشرة قوية، لفك الكتلة الصلدة. أعلنتْ الولايات المتحدة أكثر من مرة، أن الخيار العسكري مطروح، إلا أن تكرار الإعلان، يُضعف من تهديده، لا سيما وأن مماحكات وصفاقات الخطاب الأمريكي، تتزامن مع تهديد الخيار العسكري، ومن ضمن تلك المماحكات والصفاقات، طلب الولايات المتحدة من الصين وروسيا، كبح جماح كوريا الشمالية، وتكرار الطلب بصيغة أخرى مضحكة، وأكثر مماحكة وصفاقة، مثل، على الصين وروسيا ممارسة احتواء استباقي على الجنون الكوري الشمالي. الصين وروسيا العدوتان الرئيسيتان للولايات المتحدة الأمريكية، ستقفان أمام جنون كيم جونغ أون. ماذا لو كان جنون كيم جونغ أون في الحقيقة ليس جنوناً؟ ماذا لو كان جنوناً مزيفاً مدعوماً في السر من روسيا والصين؟

 ماذا لو كانت كوريا الشمالية هي الورقة الناعمة لروسيا والصين؟ السي إن إن تصرخ يومياً بعدم جدية روسيا والصين أمام جنون كيم جونغ. هناك لفظتان تنطبقان على حال شرطي العالَم، في التعامل مع معضلة كوريا الشمالية، وفي دفع روسيا والصين ضد كوريا الشمالية. اللفظة الأولى هي "العَبَط"، واللفظة الثانية، اشتقاق من اللفظة الأولى، وهي "الاستعباط". مستحيل أن يمارس شرطي العالَم، العَبَط والاستعباط معاً. إما هذا أو ذاك. هناك خشبة مسرح معولم، والجميع جالس على الفيس بوك، وعلى التويتر. نصيحة من العالَم إلى شرطي العالَم: طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، ولم يبق في قوس الصبر منزع.