المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.(أرشيف)
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.(أرشيف)
الأحد 24 سبتمبر 2017 / 15:16

الانتخابات الألمانية: مجازفة أم استقرار؟

إذا كانت حظوظ السيّدة ميركل، وحزبها، تبدو حتى الآن أفضل من الآخرين، فإن حظوظ حزب البديل لألمانيا، الذي يمثل أقصى اليمين، ويعبّر عن نزعة قومية متطرّفة، هي التي نالت القسط الأكبر من اهتمام المراقبين

يدلي الناخبون الألمان اليوم (الأحد) بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية، ومن المتوقع معرفة النتائج الأولية بمجرّد انتهاء عملية التصويت، في مساء اليوم نفسه. وإذا كانت التقديرات تُرجّح، حتى الآن، تفوّق المستشارة الحالية أنغيلا ميركل، وحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، الذى تتزعمه، فإن أحداً من المراقبين لا ينفي احتمال المفاجآت، خاصة وأن نسبة كبيرة من الناخبين لم تكن حتى يوم أمس (السبت) قد حسمت خياراتها في هذا الشأن.

وإذا كانت حظوظ السيّدة ميركل، وحزبها، تبدو حتى الآن أفضل من الآخرين، فإن حظوظ حزب البديل لألمانيا، الذي يمثل أقصى اليمين، ويعبّر عن نزعة قومية متطرّفة، هي التي نالت القسط الأكبر من اهتمام المراقبين. فنجاح الحزب في الحصول على مقاعد في البرلمان القادم تبدو مؤكدة، وبهذا سيتمكن نوّاب اليمين القومي المتطرّف من الجلوس تحت قبة البرلمان، في سابقة هي الأولى منذ العام 1949.

ولأمر كهذا تداعيات بعيدة المدى على مستقبل الحياة السياسية في ألمانيا، ومستقبل الاتحاد الأوروبي، أيضاً. فحزب البديل يتبنى شعارات عنصرية معادية للأجانب، والهجرة والمهاجرين، والاتحاد الأوروبي. وقد تأرجحت مكانة الحزب منذ ظهوره في الحياة السياسية قبل أربع سنوات، بعد سلسلة من الفضائح والانقسامات الداخلية، ورغم تدنيها في الأشهر القليلة الماضية، إلا أنها صعدت مجدداً عشيّة الانتخابات. ويتوقّع البعض حصوله على عشرة بالمائة (قد تزيد أو تنقص قليلاً) من أصوات الناخبين.

وهذه، في الواقع، نسبة ذات تداعيات بعيدة المدى، إذا وضعنا في الاعتبار أفول عصر الثنائية التقليدية، التي هيمنت على الحياة السياسية في ألمانيا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتقاسمها المسيحيون الديمقراطيون والاشتراكيون، وحقيقة أن هذه السمة تبدو سائدة في كل الديمقراطيات الغربية في الوقت الحاضر.

ومقابل حظوظ اليمين المتطرّف، التي تأرجحت ما بين التدني والصعود، تبدو فرص الحزب الاشتراكي في الحصول على مكان الأولوية، عشيّة الانتخابات، أقل مما كانت عليه في أوائل هذا العام، عندما دفع الحزب أبرز قادته، الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، إلى الواجهة كمنافس رئيس للمستشارة ميركل. والواقع أن عودة شولتز إلى المشهد السياسي في بلاده أحيت الآمال بعودة الاشتراكيين إلى سابق مجدهم، ولكن مع الوصول إلى يوم الانتخابات تبدو الحملة الانتخابية للسيد شولتز وكأنها فقدت الكثير من زخمها السابق.

وتُجمع آراء أغلب المراقبين، في هذا الصدد، على حقيقة أن نجاح المستشارة ميركل في الحفاظ على مكان الأولوية عشيّة الانتخابات، بما يؤهلها، في حال الفوز، لولاية رابعة بعد 12 عاماً في سدّة الحكم، مرده ميل غالبية الناخبين للاستقرار، وتفادي تعريض النظام السياسي، لخيارات غير مضمونة العواقب، خاصة بعد الانتخابات الأمريكية، والتصويت في بريطانيا على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وعودة أجواء الحرب الباردة. فهؤلاء، حتى وإن كانت لدي البعض منهم تحفّظات على سياسة السيدة ميركل، والائتلاف الحاكم، إلا أنهم لا يريدون المجازفة.

فأبرز القضايا التي خلقت قدراً كبيراً من الاستقطاب في المجتمع الألماني، واحتلت مكان الصدارة في السجال العام، هي الهجرة، والإرهاب، ولكن إذا وضعنا في الاعتبار أن البلاد لا تعيش أزمة اقتصادية، أو احتقانات اجتماعية حادة، ولا تعاني من علاقات مأزومة مع محيطها، ولا تسدد فواتير سياسات خارجية، ورهانات خاسرة، فإن في هذا كله ما يفسّر الميل إلى الاستقرار. وينبغي القول في هذا الصدد إن الحكومة تشددت في موضوع الهجرة واللاجئين في الآونة الأخيرة.

أخيراً، ستعتمد هوية الائتلاف الحاكم، بعد الانتخابات، والتي تحتاج لأسابيع كثيرة، قبل اتضاح صورتها النهائية، على عدد ما حصلت عليه مختلف الأحزاب والكتل السياسية من مقاعد. وإذا كان من المُستبعد بصورة نهائية دخول أقصى اليمين في أي ائتلاف حكومي محتمل، فإن الائتلاف الحكومي القادم لن يكون ممكناً دون مشاركة المسيحيين الديمقراطيين الحكم مع الاشتراكيين، أو حزب الديمقراطيين الأحرار، أو الخضر. بهذا المعنى، من غير المتوقّع حدوث تحوّلات راديكالية في السياستين الداخلية والخارجية. فالعنوان الأبرز لكل العملية السياسية، ورغم ظاهرة اليمين المتطرّف (ولا نعرف الآن ما إذا كانت الظاهرة عابرة أم لا) هو الاستقرار، ومحاولة العبور بالبلاد ونظامها السياسي، في ظل عالم متغيّر أصبح مسكوناً بمخاطر كثيرة، إلى بر الأمان، بأقل قدر ممكن من المجازفات والأضرار.