الثلاثاء 26 سبتمبر 2017 / 11:08

مصالح متبادلة في المصالحة الفلسطينية

حافظ البرغوثي- الخليج

نجحت مصر في إعادة إطلاق عجلة المصالحة الفلسطينية التي ترنحت مراراً منذ ست سنوات، ولم تنجح الجهود السابقة في تحريكها إلى الأمام، فالفشل في تنفيذ بنود المصالحة ظل مرهوناً بالمؤثرات الخارجية خاصة الإقليمية. فقد راهنت حركة حماس مطولاً على احتمالين، الأول على تغيير في النظام المصري وعودة جماعة الإخوان الإرهابية بقيادة محمد مرسي، أو نجاح الجهود القطرية -التركية في ترتيب اتفاق هدنة بين حماس و"إسرائيل"، مقابل فك الحصار ونزع سلاح حماس مع إقامة ميناء بحري يربط غزة مع تركيا. وفشل الرهانان في خضم المتغيرات في المنطقة، وتقلص نفوذ التيار القطري -التركي داخل حماس وكانت الغلبة في انتخابات حماس الداخلية لتيار الداخل بقيادة يحيى السنوار.

وقد لمست القيادة الجديدة واقعاً مأساوياً تعيشه حماس وغزة معاً في كل المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والخدماتية، حيث كانت السلطة تتولى الصرف منذ الانقلاب سنة 2007 على الكهرباء والخدمات الصحية والتربوية والاجتماعية وتريح حكومة حماس من هذه المهام، بل كانت حكومة حماس تمول نفسها من فرض الضرائب وجباية الكهرباء من دون أن تقدم أية خدمات. ومع تقليص السلطة الفلسطينية لهذه الخدمات بات الوضع يهدد بانفجار شعبي، كما أن الجماعات المتطرفة التي ولدت من رحم حماس صارت تجند أنصارها من التنظيمات الأخرى وخصوصاً حماس، وتعلن ولاءها ل "داعش".

وكانت حماس تستخدم مثل هذه الجماعات في السابق لإزعاج الجيش المصري في سيناء ودعم فلول الإخوان هناك، لكن القيادة الجديدة في غزة اقتنعت بأن هذا الوضع لا يمكن أن يؤدي إلى أي إنجاز ولن يحل مشاكل غزة. فالسنوار لا تربطه علاقات حميمة مع قيادة الخارج ولا مع قطر أو تركيا. وقد حاول السفير القطري لدى حماس محمد العمادي لجم التوجه الجديد لدى قيادة حماس، ولم يفلح في مهمته.كما أن السنوار تربطه علاقات جيدة من قبل مع الكل، لأنه لم يشارك في انقلاب حماس حيث كان في الأسر "الإسرائيلي"، ولم يجد مانعاً في ترتيب العلاقة مع مصر لأنه لم يكن طرفاً في الحملة ضدها، منذ خروجه من السجن في صفقة شاليط، وهو لن يجد أي مانع في لقاء قادة فتح في غزة، وبالتالي يستطيع أن يطوي الصفحات المظلمة في العلاقة مع كل من مصر وفتح.

ولعله سمع في زيارته الأولى لمصر من المخابرات المصرية عندما طلب بحث المصالحة الفلسطينية، أن هذا الملف يحتاج إلى قرار سياسي مصري، وأن البحث حالياً يتركز حول الوضع الأمني فقط، وأن حماس قيد الاختبار بعد وعود سابقة من قادة حماس بالوفاء بالالتزامات دون جدوى. لكن السنوار وعد المصريين بعمل المطلوب ونجح في الاختبار وضبط الحدود واغلق الإنفاق وراقب العناصر الإرهابية في غزة بجدية.

من هنا استكملت مصر ملف العلاقات مع غزة وانتقلت إلى ملف المصالحة الفلسطينية، وحققت اختراقاً سريعاً وأبدت تصميماً غير مسبوق في إنجاز المصالحة وعقد سلسلة اجتماعات فلسطينية لاحقة ومنها ما سيعقد على الأرض في غزة، لبحث تنفيذ بنود المصالحة أولاً بأول. وكانت السلطة الفلسطينية راقبت ما يحدث في القاهرة عن كثب ولبت حركة فتح دعوة مصرية لبحث ما تم التوصل إليه، ووضع آلية لتنفيذ المصالحة، وإيفاد الحكومة من رام الله لدراسة الوضع هناك كخطوة أولية، لأن ممارسة عملها تعتريه عقبات كبيرة من حيث تركيبة حكومة حماس الموروثة ومن حيث خلوها من الكادر الإداري، إضافة إلى عدم سيطرتها على أجهزة الأمن، وهذه الأمور منصوص عليها في بنود المصالحة.

السلطة بحاجة إلى إعادة الوحدة الوطنية في مساعيها السياسية لنيل الحقوق الفلسطينية في إقامة دولة، أو ما يسمى "صفقة القرن"، وهي صفقة تحدث عنها الرئيس الأمريكي مراراً وصمت عنها في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ربما لأنه ما زال يبلور أفكاراً محددة ولا يود الكشف عنها حالياً حتى لا يثير جدلاً فوق الجدالات القائمة حول كل القضايا العالمية. أما مصر فلديها مصلحة في ضبط حدودها الشرقية وكبح الإرهاب وسد الأنفاق وقيام حماس بمراقبة الأنشطة الإرهابية المنطلقة من غزة، لكن مصر لا تستطيع الانفتاح على غزة والتعاطي مع حماس كسلطة قائمة وتجاهل السلطة الشرعية، لأنها بذلك تحقق رغبة "إسرائيل" في تصدير غزة لمصر، وتجسيد انفصال غزة عن الضفة، كما ورد في خطة الانسحاب الأحادي من غزة، وهو ما تعارضه مصر دوما. فـ "إسرائيل" تعارض الوحدة الفلسطينية وتريد الإبقاء على الانقسام حتى تبرر تهربها من استحقاقات عملية السلام.

المصالحة ستمضي قدماً ما دامت هناك مصالح متشابكة بين مصر وكل من حماس والسلطة الفلسطينية، ومصر قادرة على تذليل العقبات القائمة، فهل يشهد الفلسطينيون طياً لصفحة النكبة الانقسامية السوداء؟