(أرشيف)
(أرشيف)
الثلاثاء 26 سبتمبر 2017 / 11:23

تطوير التحالف الرباعي

الأهرام - محمد الشاذلي

أزمة دول التحالف الرباعي العربي ضد قطر ما زالت مستمرة، فالدوحة أرادتها معركة مفتوحة، على مساحة واسعة جغرافيا، بحيث تشغل بها قارات العالم الخمس، ومتسعة سياسياً، بحيث لا توفر أمراً سرياً أو معلناً، وسلاحاً شرعياً أو غير شرعي إلا واستخدمته.

وما إن يتوقع المحللون اقتراباً من الحل، واستجابة لمبادرات ووساطات، أشهرها وساطة أمير الكويت المقبولة من كل الأطراف، إلا وتتعمق الأزمة، بروافد جديدة، في حين كلما ضاقت الأزمة ودارت في محيطها دورة كاملة، تعود الدوحة للاستمتاع بإعادة دوران الأزمة مرة أخرى ومرات.

فالأزمة بدأت بتصريحات للأمير تميم تنال من الجار الأكبر السعودية، وغيرها من دول الجوار، وقالت الدوحة إن موقع الوكالة القطرية الرسمية اخترق، وإن الأمير لم يصرح بما نسب إليه، بينما لا يجد أحد مشقة تذكر في الوصول إلى حقيقة أن ما نسب إلى الأمير، حتى لو لم يقله، هو تحديداً الخطوط العامة للسياسة القطرية.

وبعد أن أصبح الأمر من الماضي، نجد أنفسنا في انتظار، كما صرح النائب العام القطري علي المري في نيويورك، إعلاناً عن التفاصيل الكاملة حول اختراق "قراصنة" للوكالة.

تدور الأزمة أو يعاد تدويرها برغم وضوح الحل، والذي أعلنه مراراً وتكراراً وزراء خارجية الدول الأربع، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وهو امتناع قطر عن تقديم الدعم للمنظمات الإرهابية أو الأشخاص المتورطين بالإرهاب والتحريض عليه، وإتاحة المنابر الإعلامية للمحرضين على العنف والإرهاب في دول الجوار.

ويستنتج المتابع لعمل التحالف الرباعي تنسيقا محكماً في التحرك، سواء بالفعل أو على مستوى ردود الفعل، يصل إلى حد التناغم والتوافق، وكأن الأزمة تدار من مكان واحد وليس على مستوى عواصم أربع، ومن خلال مؤسسة "الخارجية" في البلدان الأربع، ويشعر المتابع، وكأن إدارة الأزمة، منظومة واحدة، تشكل ستارة شارحة، وفي الوقت نفسه تصد الادعاءات القطرية، من دون تفريط أو إفراط.

هذا التناغم يحيلنا إلى أن علاقات الدول الأربع هي بلا شك أو تتجاوز في أهميتها الأزمة القطرية العابرة أو الجائلة أو القارة، أياً كان الزمن الذي سوف تستنزفه والجهد الذي تستهلكه، في عالم مضطرب من جميع أركانه، ونحن في القلب منه، بل إن مشكلات العالم الأكثر تعقيداً هي هنا في هذه المنطقة، فيما تأثيراتها العظمي ستكون على العالم العربي أكثر من غيره.

هل اجتمعت في يوم ما أو في الخمسين عاماً الأخيرة، كل هذه الأزمات في وقت واحد، في اليمن، وليبيا، وسوريا، والمشكلة الكردية، وإطالة قطر أمد أزمة تحل إذا أرادت في أيام معدودات.

هذا التحالف الرباعي المتناغم، والمتفق على هدف ورؤية موحدة تجاه قطر، وعلى موقف نهائي وحاسم ضد الإرهاب والتطرف، بعد خبرات موجعة لشعوبه، من الضروري أن يطور نفسه، وأن يؤسس منظومة متكاملة من التعاون، تبدأ بالتعاون ضد الإرهاب، ولا تنتهي عند تحقيق هذا الهدف الكبير، إنما تتوسع إلي تعاون في مجالات التنمية والشباب والعمل والتعليم والتكامل الاقتصادي، مع الانتباه إلى عمل كل ما يلزم حتى لا ينفرط عقد التحالف مع انتهاء الأزمة الخليجية، كما انفرطت تحالفات قديمة مثل "إعلان دمشق" الذي تشكل عقب تحرير الكويت من الغزو الجنوني لصدام حسين.

صدر الإعلان في شهر مارس (آذار) عام 1991، وضم الدول الخليجية الست ومصر وسوريا، وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 1993، وفي اجتماع في الكويت سئل عمرو موسى وزير خارجية مصر آنذاك عن الإعلان، فرد قائلاً: إنه يترنح، وتبخر الإعلان تماماً في العام 1994.

وذهبت كل دولة من المؤسسين للإعلان في طريق، وكما سجل الأمين العام الحالي للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، في أوراقه المنشورة في الزميلة "الشرق الأوسط" في عام 2012، فقد "فضلت مجموعة من هذه الدول تعميق تعاونها العسكري والاستراتيجي مع قوى غربية".

أما مصر وسوريا والسعودية، فقد أسفت لموت الإعلان، وبدأت في بناء محور ثلاثي فيما بينها، لكن الأقدار شاءت أن ينهار بدوره بعد وفاة حافظ الأسد، وتداعيات ما بعد تحرير جنوب لبنان في العام 2006.

ولم تنفك الدول العربية في البحث عن وحدة أو تحالفات ومجالس أعمال مشتركة، للأسف أنهار معظمها، و"يترنح" بعضها، بعد أن قام بدوره في سد ثغرات، أو في حملة علاقات عامة، أمام الرأي العام العربي، المشتاق للوحدة، وللتعاون، والمتحسر علي فشل الأمة في عمل اتحاد حقيقي، مثلما ما هو حادث في الاتحاد الأوروبي، من جيران المتوسط.

لذلك فإن الأمل في تطوير منظومة "الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب" نحو أفق أوسع من التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي، واتخاذها شكلاً وجسداً مؤسسياً، بات أمراً ضرورياً في الوقت الراهن.