امرأة تقود سيارتها في دبي.(أرشيف)
امرأة تقود سيارتها في دبي.(أرشيف)
الجمعة 29 سبتمبر 2017 / 19:40

اجلدي

اخجل من نفسك التي سيكتسي رأسها شيباً، وستورّثها عار معارضة حقوق الآخرين ومعاداتها. اخجل من أبناء لك وأحفاد قد ينكشون الجرح بسؤالك عن أزمنة مُنعت فيها النساء من القيادة

"الجلد" هو أحد تلك المصطلحات الانترنتية التي نحاول أحيانا الترفّع عنها، والتعالي عليها، بادعائنا السمج للأدب والنضج والحلم.
ولكنه الأصدق في وصف المشهد الحالي في وسائل التواصل الاجتماعي.

فمنذ إعلان الشقيقة السعودية المرتقب عن السماح بقيادة المرأة سيارة، أصبح نبش ماضي العقليات المتحجرة، واستخراج ما أنتجته من تغريدات ومقاطع فيديو وقصائد ومقالات وقصص منسية حول القضية، هي الهواية الأمتع للنسويات ومن والاهن.

لم يسلم أحد من "الجلد"، بدءا بالمراهقين الشامتين بالنساء طمعا في فورة مثيرة للشفقة من التوستيرون في أجسادهم، وانتهاء بنجوم الفن والإعلام والرياضة والأزياء في الخليج، وهي الفئات التي لطالما استعرضت ضد المرأة أشنع ما في جعبتها من نفاق وتلوّن وكيل بمكيالين، وغالبا لاستمالة شريحة معينة من المتابعين، أو تجنباً لشرورهم.

ولم يسلم كذلك أولئك الذين وجدوا أنفسهم فجأة على الجانب الخاطئ من الواقع، فصنعوا لأنفسهم جسورا هشة من المباركة والتأييد واصطناع البهجة.

وكدت أن أقسم أنهم لم يفعلوا ذلك سوى خشية على شعبيتهم ومصالحهم، حتى لحقهم الفأس الذي كانوا قد صنعوه ذات يوم، وسلطوه تخويناً وتكفيراً وانتقاصاً من كل امرأة تجرأت على المناداة بحقها.

إن من يطفو ها هنا، متفرجاً على التاريخ في أثناء صناعته، ومتضاحكاً على تساقط المتسلقين عليه، يُدرك أنه أمام صورة نادرة في علو دقتها، ومتفردة في صفاء تفاصيلها.
ولكنها لا يجب أن تكن هاجسك.

فالعمر ليس "تايملاين" تجري فيه مواقفك بتسلسلها وتتابعها، وآراؤك ليست جميعها قابلة "للسيرتش" والحفظ، وتبيان تناقضك أو كذبك أو تخبّطك لن يتيسر دائما بـ "كووت تويت".

وللأسف، فإن الأقدار كذلك لن توفّر لك دائماً الجزاء الفاضح المؤلم الذي تستحقه، إذ تفحمك إحدى عاتيات النسوية، فيما تهتف مؤيداتها بحماسة: "اجلدي".
بل صدقني أني أعرف العديدين ممن حرموا نساء عائلتهم من الالتحاق بالجامعة، ووقفوا ضد عملهن، وضيقوا عليهن في سفرهن، ناهيك عن أطنان مما يعشش في رؤوسهم من احتقار للمرأة، والنظر إليها بدونية، وتمني زوال بواقي الحقوق والحريات عنها. ولكن لم "تجلدهم" دورة الحياة بعد أو تعاقبهم.

دع "الكارما" جانباً إذاً، ولا تقلق من أن تُدان كما أدنت، فحلّ ذلك قد يكون ببساطة أن تلتزم الصمت والتقية، أو تتجنب قذف آرائك في شبكة الانترنت ذات الذاكرة الأزلية.

ولكن اخجل من نفسك التي سيكتسي رأسها شيباً، وستورّثها عار معارضة حقوق الآخرين ومعاداتها. اخجل من أبناء لك وأحفاد قد ينكشون الجرح بسؤالك عن أزمنة مُنعت فيها النساء من القيادة، أو الزواج ممن لا يشاركهن الديانة، أو تمرير جنسياتهن إلى صغارهن.

لا أدري، ربما لا تصدمني أو تحزنني رغبتك في الترجل عن القارب لتلتزم الحياد. ولكن رفقاً بقلبك، بضميرك، بإنسانيتك، بكرامتك، بقيمك، باحترامك لذاتك، لا تفني شبابك محاولاً إيقاف تيارات التغيير الحتمي، أو التجديف بعكسها.