أكراد يحتفلون بنتائج الاستفتاء على الاستقلال. (أرشيف)
أكراد يحتفلون بنتائج الاستفتاء على الاستقلال. (أرشيف)
الأحد 1 أكتوبر 2017 / 19:46

ليس للكردي إلا الريح

من المُرجح أن تفكر القوى الثلاث العراقية، والتركية، والإيرانية، ملياً قبل التورّط في حرب جديدة لن تكون قصيرة، ولا مضمونة النتائج، ولن تظل محصورة في اللاعبين المعروفين الآن

في عبارة ذائعة الصيت يقول محمود درويش: "ليس للكردي إلا الريح". لم تكن عبارة كهذه أقرب إلى الواقع مما كانت عليه في اليوم التالي لتصويت الأكراد العراقيين في استفتاء على تقرير المصير. فالولايات المتحدة أقرب حلفائهم سارعت إلى رفض الاستفتاء والتحذير من تداعياته. والأمم المتحدة، وهي مرجعية أخلاقية وقانونية، للعلاقات الدولية، تبنّت الموقف نفسه. وهذا يصدق، أيضاً، على موقف الاتحاد الأوروبي.

هذا على المستوى الدولي، أما في الإقليم فقد سارعت القوى المعنية مباشرة بالمسألة الكردية، أي تركيا وإيران والحكومة المركزية في بغداد إلى اتخاذ إجراءات عقابية، والتلويح بالتصعيد العسكري. ومن الملاحظ، في هذا الشأن، أن الخلافات التركية ـ العراقية، والتركية ـ الإيرانية في أمور كثيرة محلية وإقليمية ودولية قد تراجعت في مسألة الاستفتاء خدمة لموقف موّحد، وإن تباينت الدوافع والأسباب.
والمهم، في هذا الشأن، أن الكرد في ضع لا يُحسدون عليه. ففي أيدي القوى الثلاث العراقية، والتركية، والإيرانية، الكثير من أدوات الضغط الاقتصادية والسياسية والعسكرية، في ظل افتقار الكرد لقوى إقليمية ودولية مساندة، باستثناء إسرائيل التي تحاول الاصطياد في الماء العكر.

لا نعرف كيف سيتصرّف الكرد وإن كان من المُستبعد إعلان التراجع عن خطوتهم الأخيرة. ومن غير الواضح، حتى الآن، مدى قدرتهم على مجابهة النتائج الاقتصادية والسياسية لإغلاق المنافذ والحدود والمطارات، ووقف المعاملات التجارية. ومن غير الواضح، أيضاً، ما إذا كانت لدى المجتمع الدولي، أو حتى في الإقليم، مبادرات من شأنها تخفيف الاحتقان، والحيلولة دون إشعال نار جديدة في الشرق الأوسط، الذي لا يشكو ندرة النيران والحروب.

ومع ذلك، من الواضح أن اشتعال نار جديدة في الشرق الأوسط أصبح أقوى مما كان عليه قبل الاستفتاء. وكما كان للحروب الأهلية السورية والعراقية والليبية تداعيات أمنية وسياسية تجاوزت البلدين، فإن احتمال حرب جديدة في كردستان يهدد بحريق أكبر يتجاوز المنطقة الكردية نفسها.

للوهلة الأولى، لا يبدو إقليم كردستان هدفاً عصياً، بالمعنى العسكري، إذا ما وحّدت الحكومة المركزية في بغداد جهودها مع الأتراك والإيرانيين. ولكن لكل من هؤلاء دوافع ومصالح لا تنسجم، بالضرورة، مع دوافع ومصالح الآخرين، ولأنها كذلك فإن فيها ما يجر أطرافاً إقليمية ودولية إلى الحلبة الجديدة، كما حدث مع اندلاع الحرب الأهلية في العراق بعد الغزو الأميركي، والحرب الأهلية في سورية بعد الثورة على نظام آل الأسد.

ومع عدم التقليل من حقيقة أن ناراً جديدة أصبحت مرشحة للاشتعال في الشرق الأوسط، إلا أن ما تراكم من خبرات وخيبات دموية بعد الحربين الأهليتين في سورية والعراق وليبيا (كلها لم تنته بعد)، وبعد ما جلبه صعود الإرهاب والدواعش من كوارث غير مسبوقة في تاريخ المنطقة، فمن المُرجح أن تفكر القوى الثلاث العراقية، والتركية، والإيرانية، ملياً قبل التورّط في حرب جديدة لن تكون قصيرة، ولا مضمونة النتائج، ولن تظل محصورة في اللاعبين المعروفين الآن. وهذا، أيضاً، ما تدركه القوى الكبرى في العالم، التي لن تغامر بالرهان على نتائج إيجابية محتملة لنار جديدة.

ربما، في هذا المنطقة الرمادية، بالذات، يتجلى رهان الكرد العراقيين. فلا أحد يريد التورّط في حرب مُلتبسة، مكلفة، وغير مضمونة النتائج. ولكن المدى الزمني للمنطقة الرمادية غير واضح حتى الآن، ومن غير الواضح، أيضاً، ما إذا كان فيها ما يمنحهم قدرة أكبر على المناورة.

لن يغامر أحد من أطراف الأزمة بالنزول عن الشجرة في وقت قريب. ولم تتبلور حتى الآن مبادرات إقليمية ودولية لتسويغ وتسهيل احتمال كهذا، وحتى يحدث ذلك يظل احتمال حرب جديدة، في المنطقة، بعد الاستفتاء، أقوى مما كان عليه قبله. ومع الاستفتاء، وقبله، وبعده، ليس للكردي إلا الريح.