ملصق مسرحية "شارع عباس حيفا".(أرشيف)
ملصق مسرحية "شارع عباس حيفا".(أرشيف)
الإثنين 2 أكتوبر 2017 / 20:17

شارع عبّاس حيفا...الفلسطيني في الفلسطيني

رواية "شارع عبّاس" هي هذا الشعور بالذنب الّذي يتسبّب عن شراء فلسطينيّ في حيفا من إسرائيليّ شقة في بناية استولى عليها الإسرائيليّ بعد أن نزح صاحبها ولجأ إلى بلدان أخرى

مسرح عارٍ ليس فيه سوى ممثّلة وحيدة هي أيضاً كاتبة النصّ، ومعها مايكروفون تنتقل عن طريقه من دور البطلة إلى دور الراوية. غير ذلك ليس سوى رائدة طه تروي في البداية عن صديقتها نضال، لتلعب بعد قليل دور نضال نفسها. إنّنا أمام مونودراما إذا جاءت التسمية من المسرح. لكنّنا قد نكون أمام رواية ممسرحة، فالراوي هنا أشبه بالراوي في الرواية، إنّه ليس الحكواتيّ الّذي يلعب كحكواتيّ دوراً رئيسيّاً داخل المسرحيّة الّتي هي أساساً شبكة من الأخبار والروايات الّتي هي فنّ الحكواتيّ الّذي يملك الحكاية و يشبكها بشخصيّته وحياته. في مسرحيّة "شارع عبّاس حيفا" يقوم الإخراج والدراما تورجيا على الفصل بين الراوي و الرواية وكأنّه شبيه بهذا الفصل الموجود في الروايات المكتوبة. ليس الراوي غائباً إنّه موجود ما إن تبدأ الرواية كلّما لجأت الممثّلة الوحيدة إلى المايكروفون, وهذا لم يحدث إلاّ بعد أن بدأت الرواية في الدوران. قبل ذلك كان الراوي يمهّد للرواية بتقديم نفسه وتقديم بطله. أثناء ذلك لم تكن هناك حاجة إلى المايكروفون، فالراوي حتّى هذه اللحظة لم ينفصل عن الرواية وأبطالها، بل هو حتّى هذه اللحظة البطل المؤقّت، وهذه هي مقدّمة الرواية الّتي لا تلبث أن تبدأ، فينتحي الراوي جانباً وينفصل عن الرواية وإنّما ليصل بين محطّاتها وليعلّق عليها حين يكفي التعليق، وليطلّ من هوامشها.

المسرحيّة إذاً رغم المونودراما والراوي تسلك مساراً غير الّذي وجدناه لدى الحكواتيّ الّذي استأثر بمعظم المونودراما. فالراوي هو غير الحكواتيّ, ثمّ إنّ النصّ هو غير نصوص الحكواتيّ الّتي لعبها رفيق علي احمد مثلاً وشاهدناها مؤخّراً في "متشائل" محمّد البكري. في هذه النصوص نشاهد خليطاً من أخبار وتعليقات وفولكلور، بينما في" شارع عبّاس حيفا" هناك رواية كاملة بأحداثها وبنائها وتكنيكها ومسارها الدراميّ. تبدا المسرحيّة بمشهد يبدو أنّ باقي المسرحيّة بكاملها جوابا عليه. الممثّلة الوحيدة واقفة تحت الضوء تنشد النشيد الوطنيّ الإسرائيليّ، وتقول أنّها رأت نفسها في الحلم على هذه الصورة. لاتستعجل المسرحيّة تفسير ذلك، إلاّ أنّنا في غضون المسرحيّة وفي خاتمتها نجد هذا التفسير.

لن ننتظر حتّى نطوي المسرحيّة لنصل إليه، إنّه موضوع غير معتاد في الأدب الفلسطينيّ أو الأدب الّذي يتناول الموضوع الفلسطينيّ. لنسمّه مؤقّتاً، النّقد الذاتيّ الفلسطينيّ, أو لنفتّش عن إسم أشهر هو الشعور بالذنب الفلسطينيّ. في المسرحيّة يبدو الخروج الفلسطينيّ أساس هذا الشعور. في المسرحيّة قيل غير مرّة أنّ القتل كان خيراً من الخروج والموت على التراب الفلسطينيّ أفضل من الحياة في الشتات. وجدنا هذا النقد لفلسطينيّي الداخل في"متشائل" محمّد البكري. لقد انتهت حقبة من الأدب الفلسطينيّ كان الموضوع الفلسطينيّ فيها يستدعي الفروسيّة والملاحم. الآن الموضوع الفلسطينيّ أكثر فلسطينيةً والنقد الذاتيّ متضمّن فيه . هكذا تنتقد رائدة طه الخروج فيما ينتقد محمّد البكري التعاون.

رواية "شارع عبّاس" هي هذا الشعور بالذنب الّذي يتسبّب عن شراء فلسطينيّ في حيفا من إسرائيليّ شقة في بناية استولى عليها الإسرائيليّ بعد أن نزح صاحبها ولجأ إلى بلدان أخرى. حين يعلم السكّان الفلسطينيّون الجدد من كان صاحب البناية يداهمهم هذا الشعور بالذنب الذي يقودهم إلى التعرّف على أبناء صاحب المبنى الأصليّ ويستدعونهم إلى حيفا. هنا رمز العودة بعد الشتات.هكذا نشهد احتفال العودة الفاره شبه الأسطوريّ، هكذا أيضاً تقف رائدة طه تحت الضوء لتنشد هذه المرّة مع احتفال العودة نشيد "موطني موطني". بدأت الرواية بذلك الحلم المرعب "النشيد الإسرائيلي" الّذي يعني كما شرحت المسرحيّة قيام إسرائيل, وانتهت بما يشبه حلماً مضادّاً يستشفّ من احتفال العودة الرمزيّ والنشيد الفلسطينيّ.

نحن أمام مونودراما هي غير مسرح الحكواتيّ كما نعرفه. إنّ النصّ من أولّ المسرحيّة إلى آخرها مبنيّ على نحو مترابط مندمج, إن على صعيد الصياغة أو صعيد الأفكار. هذه المقالة في الختام لا تغفل الثناء على كاتبة النصّ ولاعبته وعلى الإخراج الّذي قام على الفصل بين الرواية والراوي ولم يقع في الإسلوب الحكواتي.