وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسوري وليد المعلم. (أرشيف)
وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسوري وليد المعلم. (أرشيف)
الثلاثاء 3 أكتوبر 2017 / 21:34

بعد عامين على التدخل الروسي في سوريا

ما قلل من خسائر روسيا في الأرواح منذ تدخلها الجوي في سوريا، فيبدو أنه يعود إلى اتفاق بين الطرفين أن تقوم روسيا بالتغطية الجوية لحشود النظام الأسدي وحلفائه على الأرض

في 30 سبتمبر (أيلول) من عام 2015، دخلت روسيا بالأصالة عن نفسها في الحرب على سوريا، بعد سنوات من الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري المباشر للنظام الأسدي.

في هاتين السنتين تغيرت المعادلة العسكرية لمصلحة النظام بشكل واضح، وخاصة منذ استعادة النظام السيطرة على حلب في نهايات العام الماضي، وإن بدا التدخل الروسي متعثراً قبل ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

إذاً، استغرق التدخل الروسي سنة وربع السنة قبل أن ينجح في ترجيح كفة القوة العسكرية للنظام، وإن كنا نظن أن المصلحة الروسية في سوريا مستقلة تماماً عن مصلحة النظام الأسدي، وغير متمايزة تماماً عن المصلحتين الأمريكية والإسرائيلية.

تبقى المصلحة الروسية في التعاون مع إيران في الحرب على سوريا، حيث لا يُعقل أن الاستراتيجيتين تتلاقيان حتى النهاية، وإن كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اشترط خلال لقائه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في نهاية مايو (أيار) الماضي مشاركة إيران في محادثات للاتفاق على حل ما في سوريا. لكن بوتين يعلم أن أمام هذا التمني السياسي عقبة أمريكية لا حظَّ لروسيا في تجاوزها. كما أنَّ لا حظَّ لاستمرار روسيا في تزعم مسار "أستانة"، وإفراغ مسار "جنيف" من محتواه، إلا في المدى القريب. فالمسألة في سوريا ليست مجرد كسب الحرب، دون التفكير في ما بعد الحرب، هذا إذا افترضنا أن روسيا وحلفاءها قادرون على كسب الحرب، وإجبار الفصائل المعارضة، المعتدلة، وغير المعتدلة، على رفع الراية البيضاء.

إذاً، فالأمر الحاسم في استمرار التنمر الروسي يمسُّ اعتقادها أن الولايات المتحدة ستبقى على موقفها غير المبالي بما يحدث في سوريا على المديين المتوسط والطويل، مستفيدة من قراءة موقف واشنطن في السنوات الماضية خلال جزء كبير من زمن إدارة أوباما للبيت الأبيض، وما مضى من السنة الأولى من إدارة ترامب.
يضاف إلى ذلك عدم تكبد روسيا خسائر كبيرة في الأرواح بين جنودها وضباطها وطياريها، لأن المعلن هو مقتل 30 عسكرياً روسياً فقط، وإن كانت "رويترز" تظن أن العدد أربعة أضعاف هذا الرقم. وفسرت الوكالة في تقرير استقصائي سبب عدم اعتراف روسيا بكل قتلاها كون ذلك من أسرار الدولة أولاً، وثانياً لأن معظم القتلى هم من المتعاقدين مع الجيش الروسي، وليسوا جنوداً عاملين في الجيش الروسي.

هذا منطقي، وقد حدث في حروب أمريكا السابقة، منذ حرب فيتنام، إلى حرب أفغانستان، وحرب العراق، وخاصة بعد انتشار الشركات الأمنية التي تقدم "خدمات قتالية" منظمة أكثر جدوى استراتيجياً من الاعتماد على نظام "المرتزقة الأفراد" الذي لم يبطل العمل به في بعض الجيوش عندما تدعو الحاجة إلى الاستعانة بمحترفي القتال.

في المقابل، وصل عدد القتلى في جيش النظام الأسدي، و"ميليشيا الدفاع الوطني" منذ 2011، إلى أكثر من 183 ألف قتيل من أبناء أربع محافظات سورية فقط، حيث جاءت محافظة طرطوس أولاً بـ77 ألف قتيل، ثم منطقة مصياف في حماة مع 44 ألف قتيل، ثم حمص بـ 34 ألف قتيل، واللاذقية بـ 28 ألف قتيل. وبالطبع هنالك أعداد أخرى من قتلى جيش النظام ينتمون إلى جميع المحافظات السورية. ولذلك لا يبدو المراقب مجازفاً إذا قدَّر عدد القتلى من المدنيين والفصائل المعارضة وجيش النظام بمليون قتيل خلال أكثر من ست سنوات ونصف السنة من القتال المستمر.

أما قتلى "حزب الله" وإيران، والميليشيات المدعومة منهما، فعددهم غير محدد، وإن كانت الأرقام المجمعة حسب الوكالات تتحدث عن بضعة آلاف، منهم ما لا يقل عن 2800 من الإيرانيين، وفق مصادر إيرانية، وقبل بضعة شهور.

أما ما قلل من خسائر روسيا في الأرواح منذ تدخلها الجوي في سوريا، فيبدو أنه يعود إلى اتفاق بين الطرفين أن تقوم روسيا بالتغطية الجوية لحشود النظام الأسدي وحلفائه على الأرض. ومن الطبيعي أن يكون تقاسم عدد القتلى المذكور "عادلاً" بين الطرفين وفق ذلك "الاتفاق".

لكن روسيا أخذت نصيبها من القتل المباشر، فوفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قتلت الغارات الروسية 5233 مدنياً، خلال العامين الماضيين، منهم 1417 طفلاً، و886 امرأة.

وأضافت الشبكة في تقرير صدر الأحد الماضي أن 85 في المئة من الهجمات الجوية الروسية استهدفت مناطق تخضع لسيطرة فصائل في المعارضة المسلحة بنسبة تقارب 85%، فيما كان نصيب داعش 15 في المئة من مجموع تلك الهجمات.

وارتكبت روسيا، حسب التقرير، 251 مجزرة، وما لا يقل عن 707 حادث اعتداء على مراكز حيوية مدنية، منها 109 مساجد، و143 مركزاً تربوياً، و119 منشأة طبية.

واستخدمت روسيا الذخائر العنقودية ما لا يقل عن 212 مرة، معظمها في محافظة إدلب، والذخائر الحارقة ما لا يقل عن 105 مرات، معظمها في محافظة حلب.

ورصد التقرير إحصائية تتهم القوات الروسية بقتل 47 شخصاً من الكوادر الطبية، بينهم 8 سيدات، إضافة إلى 24 شخصاً من كوادر الدفاع المدني، و16 إعلامياً.

وذكر التقرير أيضاً أن الهجمات الروسية تسببت في نزوح 2.3 مليون شخص هرباً من عمليات القصف والتدمير.
كل ذلك حتى 19 من سبتمبر (أيلول) الماضي، أي في مدة أقل من سنتين بأحد عشر يوماً فقط.

لكن روسيا أسست قبل بداية سنتها الثالثة في سوريا لوجود قاعدة عسكرية لمدة 49 عاماً قابلة للتجديد، اعتقاداً منها أنها باقية، وأن النظام الأسدي باقٍ كل تلك السنوات، أو اعتماداً على أن الاتفاق يُلزم الدولة السورية المستقبلية سواء بقي النظام الأسدي، أو ذهب.