كردية ترفع علم كردستان.(أرشيف)
كردية ترفع علم كردستان.(أرشيف)
الإثنين 9 أكتوبر 2017 / 20:01

الاستفتاء الكردي

هل يستطيع البارزاني الّذي لم يجد حليفاً جديّاً في خطوته هذه، أن يحقّق كردستان المستقلّة في وجوه الدول المستولية على الأرض الكرديّة وبخاصّة تركيّا وإيران اللتين قد تستغلاّن المسألة الكرديّة لزيادة التحكّم في العراق؟

كان من البداهة بمكان أن ينجح الإستفتاء الكرديّ على الإستقلال، فهو أمل يعيش في الوجدان الكرديّ منذ قرون. قد يكون التاريخ الكرديّ أشدّ تواريخ الشعوب بؤساً، فهذا الشّعب الّذي يملك كلّ مقوّمات الأمّة وكل ّمقوّمات الوطن عاش طوال تاريخه مشتّتاً مقسّماً بين الشّعوب والأوطان والأمم، ولم تحظ انتفاضاته وثوراته المتلاحقة إلاّ بالخيبات والهزائم. لقد أدمن الكرد الخسائر واعتادوا، ولم يفوزوا بقيام دولة إلآّ تلك الدّولة الصوريّة التي لم تمضِ السنة وعاشت أشهراً قليلة ولم تكن دولة مهاباد سوى رمز تاريخي، قامت وسقطت محض رمز. غير هذا الرّمز لا نجد لشعب من عشرات الملايين وعلى أراض شاسعة متّصلة، سوى مكر التاريخ وألاعيبه. لم يقيّض له أن يكون شعباً وأن يكوّن أمّة وأن يحظى بوطن. يمكن لذلك أن نتكلّم عن المأساة الكرديّة كواحدة من فظائع التاريخ وإن كان من علائمها أنّها كانت أحياناً مزدوجة. الكرد المظلومون استغلّت مأساتهم أحياناً للإيقاع بغيرهم كالأرمن. هكذا سلّط المظلوم على المظلوم، ووقعت المأساة على المأساة، وفي كلّ الأحوال فإنّ الكرد حلقة في سلسلة الشعوب المظلومة. تضاف هكذا إلى الأرمن والفلسطينيين، وليس بين الكرد والإسرائيليين التماثل الّذي يزعمه الإسرائيليون، الكرد عاشوا طوال القرون وما زالوا على أرضهم وفي بيئتهم وثقافتهم ولم ينزعهم الظلم منها ولم يفقدهم لغة ولا هويّة ولا وطناً ولا أمّة.

لكنّ الإستفتاء لا يقوم فقط على هذا الحقّ الّذي لا ينازع أحد في صوابه. الإستفتاء ليس ليدلّ على تمسّك الكرد بهويّتهم وطموحهم إلى دولة مستقلّة. فهذا ما يدلّ التاريخ الكرديّ عليه وما تؤيّده الشواهد. لإستفتاء مسألة إجرائيّة وعمليّة. ليس فقط للتعبئة والتّحريض. الإستقلال هو ما نستطيع أن نصونه والدولة هي الّتي تملك القوّة للحفاظ على نفسها. فهل تملك كردستان العراقيّة هذه المقوّمات؟ هل يستطيع البارزاني الّذي لم يجد حليفاً جديّاً في خطوته هذه، أن يحقّق كردستان المستقلّة في وجوه الدول المستولية على الأرض الكرديّة وبخاصّة تركيّا وإيران اللتين قد تستغلاّن المسألة الكرديّة لزيادة التحكّم في العراق؟ لاننسى أنّ تركيّا الّتي تستولي على النصيب الأكبر من الأرض الكرديّة وتضمّ العدد الأكبر من الشعب الكرديّ، هي الّتي استولت بالقوّة على لواء اسكندرون السوريّ العربيّ، فيما سبقت إيران إلى الإستيلاء على عربستان العراقيّة. نعرف كم تحتجّ تركيّا بالمسألة الكرديّة للتحرّش العسكريّ بالعراق، فيما أنّ الهيمنة الإيرانيّة على العراق لا تحتاج إلى إثبات.

تنقل الصحف أنّ الإستفتاء كان فاتراً في السليمانيّة وفي كركوك، كما تنقل أنّ حزب التّغيير المنشقّ عن حزب الطالباني في السليمانيّة، وكذلك الجماعة الإسلاميّة قد عارضا الإستفتاء. لا يمكن الإستنتاج من هذه الوقائع أنّ الكرد منقسمون عموديّاً او أفقيّاً حول الإستفتاء كمبدأ او كفكرة. لا نشكّ في أنّ الكرد بأكثريّتهم الساحقة توّاقون لللإستقلال، لكنّ الإستفتاء جرى في البلد الّذي يتمتّع فيه الكرد بما يشبه الإستقلال. إنّ لهم حكومتهم وبرلمانهم وكردستان جزء من فيدراليّة العراق، بل هم عمليّا الطرف الثاني في هذه الفيدراليّة الّتي قامت من أجلهم. ذلك بالطبع لا يعني أنّ الكرد العراقيين في غنى عن الإستقلال، كما أنّ البحبوحة السياسيّة الّتي يتمتّعون بها لا تلزمهم أخلاقيا بأن لا يغتنموا أيّ فرصة، بما في ذلك اضطراب الوضع وضعف الإدارة المركزيّة، لتحقيق الإستقلال.

 لكنّ المسألة هي: هل الكرد مقبلون على خسارة جديدة وهل يبادرون هذه المرّة كما فعلوا طوال تاريخهم، إلى مغامرة خاسرة. هل يتسبّب هذا الإستفتاء بخطوات عمليّة قد ترمي الكرد في حروب غير مضمونة، وتضعهم في مواجهة ضارية مع حكومتين تحتاجان إليها، للسبب نفسه أي التحريض والتعبئة، وستكسبان منها تعبئة شعبيّة وزرعاً للكراهية العنصريّة بين الكرد وشعوب المنطقة.

لابد أن لدى الكرد مخاوف حقيقية، حتّى في العراق، فمن يمنع تكرار حلبجة، ومن يحول دون تعبئة عنصريّة ضد الأكراد وخاصّة في بلد لم يخرج تماما من حرب أهليّة ولا يزال غارقاً فيها.