من مباريات مصر والكونغو.(أرشيف)
من مباريات مصر والكونغو.(أرشيف)
الإثنين 9 أكتوبر 2017 / 20:05

سهرة كروية

كعادتنا، كان حديثنا بعد المباراة متشعباً، وقد انتقلنا من الحديث عن المواجهة في المستطيل المسيج بالهتاف على الأرض الخضراء إلى الحديث عن الصراعات المحتدمة في المستطيلات المسيجة بالموت في الأرض المحروقة في فلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا

لا يؤخذ علينا شغفنا بكرة القدم، فهي رياضة شعبية للجمهور كله، وليست رياضة مملة للنخبة ومن تبقى من أرستقراطيين قلائل ومحدثي نعمة كثيرين. ولعل المبدع العربي الأهم في القرن العشرين الشاعر الراحل محمود درويش كان محقاً في حرصه على مشاهدة مباريات كأس العالم في البيوت الآمنة نسبياً خلال الحرب اللبنانية وفي ذروة القصف الاسرائيلي المحموم لبيروت في سنة الخروج الفلسطيني الحزين من لبنان.

كرة القدم رياضة آسرة، فيها فرح وحزن ونشوة وغضب، وهي في الوقت ذاته لعبة سياسية تتنافس فيها الدول الصديقة والدول غير الصديقة أيضاً، ويسعى فيها اللاعبون إلى تحقيق الأهداف وتسجيل النقاط مثلما يجري في ساحات المواجهة السياسية. لذا يهتم السياسيون أكثر من غيرهم بمتابعة المواجهات الكروية الجاذبة للجمهور الكبير.

ليلة أمس شاركت في سهرة كروية، وتابعت مع بعض الأصدقاء الذين تجاوزوا عمر اللعب فوز المنتخب المصري على نظيره الكونغولي في التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم. وكان طبيعياً أن نفرح بمصر ولمصر بفوزها في المباراة وتأهلها للنهائيات، لأن ذلك يعني حضوراً عربياً مستحقاً في أكبر قمة رياضية في العالم، ولعلنا لا نبالغ في القول إن حضور مصر تحديداً هو حضور لكل العرب.

كعادتنا، كان حديثنا بعد المباراة متشعباً، وقد انتقلنا من الحديث عن المواجهة في المستطيل المسيج بالهتاف على الأرض الخضراء إلى الحديث عن الصراعات المحتدمة في المستطيلات المسيجة بالموت في الأرض المحروقة في فلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا.

قال أحد الأصدقاء إن ما يجري في بلادنا هو أيضاً مباريات تستخدم فيها القذائف بدلاً من الكرات الجلدية، وقال صديق آخر إن في البلاد أيضاً حكاماً كما في الملاعب، وتحمس أكثرنا رصانة في مقارنته بين العقوبات الكروية والعقوبات السياسية، وأوضح لنا أن الدول ترفع أيضاً البطاقات الصفراء والحمراء حين تلجأ إلى فرض العقوبات ومنها الطرد من الملعب السياسي.

اخترت البقاء على دكة الاحتياط، ولم أشارك في حديث نجوم سهرتنا الكروية إلا عندما تطرق المتبارون بالأفكار إلى موضوع التفاهمات الأخيرة بين فتح وحماس، والتي يصر البعض على اعتبارها مصالحة وطنية، وهي ليست كذلك.

وقد عبرت عن رؤيتي لهذه التفاهمات بأنها مصلحة وطنية، ولكنها ليست مصالحة بالمعنى السياسي، فمن مصلحة الفلسطينيين جميعاً أن ترفع سلطة رام الله كل العقوبات التي فرضتها على قطاع غزة وأهله، ومن مصلحة الغزيين أن يعيشوا حياة عادية مثل باقي البشر وأن يتوفر لديهم ما يكفي من الوقود لتشغيل مستشفياتهم وإنارة بيوتهم وشوارعهم دون اختصار يومهم في أربع ساعات كهرباء، ومن مصلحة أهل غزة الصامدين أن يتمكنوا من السفر للدراسة والعمل والعلاج، ومن مصلحة أهل الضفة أن يروا أشقاءهم الغزيين وأن يتشاركوا معهم ما يتاح من حياة في الوطن المحتل من شماله إلى جنوبه.

لكن كل ما تقدم يظل خطوات إجرائية وإدارية لا ترتقي إلى مستوى المصالحة السياسية التي تتطلب الاتفاق على برنامج حد أدنى، وهو ما لم يحدث ونتمنى أن يحدث رغم معرفتنا بصعوبة تحقيق اللقاء الوطني بين طرفي الانقسام اللذين يحترمان قرارات الحكم الأمريكي وهو في الأصل حكم فاسد منحاز للفريق الإسرائيلي ولا يشهر بطاقاته الحمراء (الفيتو) إلا في وجوه الفلسطينيين والعرب.

وعندما سئلت عن توقعاتي، اعترفت أمام الأصدقاء المشاركين في السهرة الكروية بأن التوقع صعب لأن الفريق الفلسطيني يدخل تصفيات الحل الإقليمي أو صفقة القرن بلا مدرب وبلا خطة لعب رغم أن الكرة ستوضع في ملعبه.