الأربعاء 11 أكتوبر 2017 / 16:47

إنفوغراف24| كتالونيا وكردستان.. تباعد جغرافي وطموح مشترك

24 - راما الخضراء

في وقت متقارب لم يتجاوز الأسبوع، أجري في كتالونيا وكردستان العراق استفتاءان للاستقلال، ورفع الأكراد علم كتالونيا داخل إقليمهم كما رفع الكتالونيون علم كردستان دعماً للطموح المشترك الذي جمع بين الشعبين المختلفين عرقياً وثقافياً والمتشابهين بالظروف والطموح.

وفجر استفتاء كتالونيا مقارنات كثيرة مع استفتاء إقليم كردستان العراق، نظراً لأن الاستفتاءين على انفصال الإقليمين جاءا في مرحلة زمنية متقاربة، رغم أن المسافة بينهما تصل إلى 3500 كلم.

ورفضت العراق استفتاء كردستان، وكذلك فعلت الحكومة الإسبانية، واعتبرت الحكومتان المركزيتان في الدولتين أن الاستفتاءين، اللذين قد ينهيان الشكل الحالي لكل من العراق وإسبانيا، خطوة غير دستورية يجب وقفها.

وما يجمع كلاً من القيادتين الكردستانية والكتالونية هو إصرار كل واحدة على إجراء الاستفتاء، بغض النظر عما تقوله أو تهدد به بغداد أو مدريد، رغم عدم وضوح الرؤية للمرحلة المقبلة.

فما هي أوجه الشبه بين كردستان وكتالونيا، ولماذا تريدان الانفصال، وما هي التحديات التي ستقابلهما؟.

(اضغ للتكبير)


كتالونيا
يقع إقليم كتالونيا شمال شرق إسبانيا، وتفوق مساحته ٣٢ ألف كلم مربع وعدد سكانه 7.5، وهو سادس أكبر منطقة من حيث المساحة في إسبانيا التي تضم 17 إقليماً يمتعون جميعاً بالحكم الذاتي.

يمتلك الكتالونيون لغتهم الخاصة ونشيدهم الوطني الخاص وعلمهم الخاص كما يمتلكون نادي برشلونة الرياضي الشهير.

وينقسم الإقليم إلى 4 مدن وهي: برشلونة عاصمة الإقليم وأكثر المدن جذباً للاستثمار والسياحية، وتراجونا ولاردا وغرانادا، ويتحدث سكان المقاطعة اللغتين الإسبانية والكتالانية.

ويعود العداء بين كتالونيا وإسبانيا لفترة طويلة، ويعتبر المواطنون الكتالان أنفسهم ليسوا إسباناً، والكثير منهم يرفضون الحديث باللغة الإسبانية، ولا يتحدثون إلا الكتالانية فقط، وأهالي كتالونيا يرون أنهم أرض محتلة من طرف إسبانيا بعد صلح البرانس الذي وقعته إسبانيا مع فرنسا في أعقاب حربهما التي استمرت منذ عام 1635 وحتى عام 1659.

حصل إقليم كتالونيا على الحكم الذاتي عام 1931، إلا أن الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو أعلن انقلابه العسكري علي السلطة الحاكمة آنذاك عام 1936، حين بدأت الحرب الأهلية الإسبانية، وألغى الحكم الذاتي في كتالونيا.

وقمع فرانكو كل أنواع الأنشطة العامة المرتبطة بالقومية الكتالانية، بما في ذلك نشر الكتب عن هذه المواضيع أو مناقشتها في جلسات مفتوحة، وحظر استخدام اللغة الكتالانية.

واستمر الكتالونيون في نضالهم ضد الجنرال فرانكو حتى عام 1975، حتى استردت المقاطعة حكمها الذاتي بعد وفاته عام 1979.

ومنذ ذلك الحين أضحت كتالونيا هي المنطقة الاقتصادية الرائدة في إسبانيا، مع ما يقرب من ٢٠٪ من الناتج القومي الإجمالي لهذه المنطقة.

ونظم الإقليم استفتاء للانفصال عام 2014، صوت لصالح نعم فيه 80% من المشاركين، إلا أن الحكومة الإسبانية اعتبرته غير دستوري، ومؤكدة أن ليس من حق الأقاليم إعلان الانفصال، ولم يسفر هذا الاستفتاء عن نتائج تذكر.

استفتاء كتالونيا
في 1 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، بدأت حكومة الإقليم استفتاء الانفصال، وداهمت قوات من الشرطة الإسبانية مراكز الاقتراع، وصادرت البطاقات الانتخابية والصناديق، كما وصفت وزارة الداخلية الإسبانية الاستفتاء بأنه غير شرعي، مما أسفر عن سقوط جرحى.

وأكد الانفصاليون أنهم فازوا بتأييد 90% من الأصوات، ووقع رئيس الإقليم كارلس بيغديمونت "إعلان الاستقلال"، لكنه علق تنفيذه، في بادرة لإجراء حوار مع الحكومة الإسبانية وسط حديث عن وساطة دولية.

التحديات
يرى مراقبون أن انفصال كتالونيا لن يمرر بسهولة من قبل حكومة إسبانيا أو الاتحاد الأوروبي.

وتواجه كتالونيا تحدي حساب حصتها من الدين العام الإسباني في حال إتمام الانفصال.

ومن المتوقع أن تدعم أوروبا، التي لا تشجع النزعات الانفصالية، الحكومة الإسبانية، وأن تهدد كتالونيا بعدم ضمها إلى الاتحاد في حالة إتمام الاستقلال دون مباركة مدريد المستبعدة في الوقت الحالي.

وتخشى إسبانيا خسارة اقتصاد كتالونيا الذي يمثل 17% من إجمالي الاقتصاد الإسباني، ورفضت الاستفتاء تماماً ووصفته بغير الدستوري وحاولت عرقلته بالعنف.

ولوحت الحكومة الإسبانية، التي تخشى احتمال التفتت وأن تشجع كتالونيا الأقاليم الأخرى داخلها وخاصة الباسك على الانفصال، باللجوء إلى تفعيل المادة 155 من الدستور.

وتتيح هذه المادة "اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمل المنطقة المعنية على احترام الالتزامات التي يفرضها الدستور أو غيرها من القوانين مع موافقة بالغالبية المطلقة لمجلس الشيوخ".

وتتيح المادة 155 تسلم إدارة الهيئات السياسية والإدارية للمنطقة المتمردة ذات الحكم الذاتي، وينجم عن ذلك تعليق مؤقت للاستقلال الذاتي للمنطقة، كما يمكن في هذه الحالة استبدال أو إقالة موظفين حكوميين ونواب، وعليه سيكون من الممكن استبدال رئيس كتالونيا الانفصالي كارلس بيغديمونت بممثل الحكومة الإسبانية في الإقليم.

ويمكن أن تتولى الحكومة المركزية مهاماً موكلة إلى برشلونة مثل النظام العام والخدمات العامة، إلا أن بعض سكان كتالونيا قد لا يقبلون بمثل هذه السيطرة ما يمكن أن يؤدي إلى تدهور الوضع.

كردستان
كردستان العراق أو إقليم كردستان العراق، هو إقليم عراقي يقع شمال البلاد ويتمتع بحكم ذاتي، يحد كلاً من إيران وتركيا وسوريا ولا يملك منفذا بحرياً.

عاصمة الإقليم أربيل، ويملك الأكراد لغة خاصة بهم وعلمهم الخاص ونشيدهم القومي وثقافتهم المشتركة ويبلغ عدد سكان الإقليم 8.35 مليون شخص وفقاً لإحصاء عام 2013، منهم 5 ملايين كردي تقريباً، من نحو 35 مليون كردي مقسم على 3 دول هي تركيا بنحو 15 مليون نسمة، ثم إيران بـ6 ملايين، وسوريا بنحو مليوني نسمة، وتعيش أعداد كبيرة من الأكراد في كل من أذربيجان وأرمينيا ولبنان إضافة إلى أوروبا. 

ويمثل النفط ركيزة أساسية للاقتصاد الكردي، ويأتي بعده التجارة والسياحة.

وينتج إقليم كردستان العراق نحو 650 ألف برميل نفط يومياً من حقوله بما في ذلك حوالي 150 ألف برميل من مناطق كركوك المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.

ويمثل إنتاج الإقليم 15% من إجمالي الإنتاج العراقي ونحو 0.7% من إنتاج النفط العالمي.

وتطمح حكومة إقليم كردستان إلى إنتاج ما يربو على مليون برميل نفط يوميا بحلول عام 2020.

يعود إنشاء إقليم كردستان العراق إلى معاهدة الحكم الذاتي في مارس (آذار) 1970، عند الاتفاق بين المعارضة الكردية والحكومة العراقية بعد سنوات من القتال العنيف.

وقاد غزو العراق عام 2003 إلى تثبيت سيطرتهم على الإقليم بعد قتالهم مع القوات الأمريكية ضد نظام صدام حسين.

وفي العقود الأخيرة، زاد تأثير الأكراد في التطورات الإقليمية، إذ قاتلوا من أجل الحكم الذاتي في تركيا، ولعبوا دوراً هاماً في الصراعات في العراق وسوريا، آخرها المشاركة في مقاومة تقدم تنظيم داعش.

الاستفتاء
صوت الأكراد على استقلال إقليمهم في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، رامين بعرض الحائط تهديدات حكومة بغداد والدول المجاورة.

وأسفر إتمام الاستفتاء الذي أيد 90% من المصوتين فيه استقلال كردستان العراق، إلى أزمة دولية ما زالت مستمرة، إذ تخشى الدول المجاورة وخاصة تركيا وإيران من أن يشجع الاستفتاء النزعات الانفصالية للأكراد داخلها.

التحديات
لا يملك إقليم كردستان منفذاً بحرياً مما ساعد بغداد على فرض حظر جوي عليه بمساعدة من الدول المجاور، وتم تعليق الرحلات إلى مطاري أربيل والسليمانية.

وأعلنت العراق استعاد المعابر الحدودية مع كردستان بالتنسيق مع تركيا وإيران الرافضتين للانفصال.

ولم يحصل الإقليم على تأييد أي دولة في العالم إلا إسرائيل، الأمر الذي أثار سخط الكثيرين في الأوساط السياسية والشعبية العربية.

وبرزت مدينة كركوك متعددة الأعراق في الصراع، إذ تقع خارج إقليم كردستان ويقطنها أكراد وتركمان وعرب ومسيحيون آشوريون، إلا أن قوات البشمركة حررتها من قبضة داعش وضمتها إلى مناطق نفوذها.

ولدى كركوك احتياطيات نفطية كبيرة وهي تصدر النفط الخام من خلال خط أنابيب عبر البحر المتوسط يمر من إقليم كردستان العراق وتركيا، وهي تنتج ربع النفط العراقي.

وإذا قررت تركيا إغلاق خط الأنابيب فسيحرم ذلك حكومة كردستان في أربيل من معظم دخلها من العملة الصعبة.

ويواجه مستقبل الإقليم تحدياً على صعيد توفير المواد الغذائية، حيث يعتمد بشكل كبير في تأمين الكثير من احتياجاته على الخارج خصوصاً دول الجوار لا سيما تركيا.

وفي الختام، وإذ يحسب للإقليمين شجاعتهما في تحدي الحكومات المركزية والرفض الدولي والعالمي، إلا أن الاستفتاءين لم يسفرا حتى الآن عن بوادر استقلال حقيقي، فالدولة تحتاج إلى أكثر من موافقة شعبية واستفتاء لقيامها، كما تحتاج إلى اعتراف دولي واقتصاد مستقل وعلاقات جيدة مع دول الجوار وشعب متناغم متقبل للآخر وأحزاب قوية لا تستغل النزعة الانفصالية للحكم، وهو ما لم يتوفر حتى الآن في الإقليمين.