الخميس 12 أكتوبر 2017 / 20:06

لوفر أبوظبي

وانتصب الحلم واقعاً في عيني محمد بن زايد وفي قلبه، وفي عيون الإمارات ووجدان أبنائها، وهاهي قبة لوفر أبوظبي الممتدة بجذور الاعتزاز إلى قبة النابغة الذبياني مروراً بقباب المجد في بغداد والأندلس، هاهي تنتصب لتحيي مجد وفخر تلك القباب الجدات التي لم تعقم ولم ينقطع نسلها المجيد حين انتصبت قبة لوفر أبوظبي صارخة بالمجد وممسكة بتلابيبه لتقول هنا أمة لا تعقم، وهنا مسير حثيث إلى رؤية الإمارات 2030 بخطوات واثقة وفتيّة تتهادى على رمال هذه الصحراء اختيالا كخطوات فاتنة صغيرة.

إن هذا الصرح الثقافي والإنساني ذو أهمية بالغة عند كل عربي - وليس فقط إماراتي - يحمل همّ النهضة والتنوير وجرح العروبة، بما يشكّله المتحف من دلالات على أهمية التواصل الإنساني والثقافي والحضاري مع شعوب العالم، وبما يحمله من رسائل التعايش والشعور بالمشتركات الإنسانية ووحدة الهموم البشرية المتعاقبة عبر التاريخ، ليصوغ بعد كل هذا دوره التنويري والحضاري كشمس تشرق من وسط أبوظبي هذه المرة إلى العالم بأسره.

لن أتحدث عمّا أبهرني في التصميم والإبداع في صياغة تحفة معمارية استلهمت الروح الحضارية العربية في شكل القبة ومزجت بها المزاج الإماراتي في تلك الأشكال الهندسية التي تتيح دخول الضوء لتحاكي فُرجات سعف النخيل في أسقف المنازل القديمة التي احتضنت أحلام الآباء والأجداد وشاركتهم همومهم وأحلامهم فبثّتها من خلال تلك الفرجات إلى عنان السماء فأمطرت السماء ولم تبخل وأخرجت الأرض ولم تمسك.

أقول: إنني لن أتحدث عن جمال تلك العروس التي استلقت على سطح تلك الجزيرة الصغيرة بفتنة الأميرات، بل سأتجاوز كل ذلك الجمال البصري، بصعوبة تعزّ على الضمير، إلى الجمال الروحي الذي خلقه وسيخلقه معنى لوفر أبوظبي، وما سيؤسس له في وجدان الأجيال القادمة.

إن لوفر أبوظبي يأتي في هذا الوقت ليقول للعالم وللأجيال القادمة إن الأصل البشري واحد، وإن ما يجمع البشر بكل ألوانهم وأعراقهم وثقافاتهم وتبايناتهم أكبر مما يفرقهم من سخيف التعصب والأدلجة، وإن التعايش والتسامح والسلام هي الخيارات الوحيدة نحو عالم مستقر خالٍ من الاضطراب والإرهاب والكراهية، لتعيش الأجيال القادمة مستقرة تكمل مسيرة البناء والوثب الحضاري والتنافس التنموي المحمود.

لوفر أبوظبي اليوم ليس فقط أيقونة إماراتية، أو منجزاً تنموياً عوّدتنا الإمارات على مفاجأتنا به بين الحين والآخر، بل إنه يتجاوز في محورية دوره ليكون أيقونة عربية وعالمية في مسار الثقافة والتنوير والتواصل الحضاري العابر للأمم والحضارات والعصور والمكان والزمان، وقطب إنساني وروحي يربط المشرق بالمغرب والماضي بالمستقبل. حقاً إنه طموح الكبار وعزائمهم، أليس:
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ؟