جندي عراقي يمزق علم داعش.(أرشيف)
جندي عراقي يمزق علم داعش.(أرشيف)
الإثنين 16 أكتوبر 2017 / 20:04

زمن ما بعد داعش

يبدو منطقياً أن يبدأ العمل على إنهاء انقسام غير مبرر بين سلطتين تعتمدان التنسيق الأمني والتهدئة الأمنية مع إسرائيل، وتسعيان إلى البقاء على قيد الحياة السياسية في أي مشروع

سقطت الرقة، أو تحررت، أو انتصرت. لا فرق، فالمهم هو النتيجة التي تحققت، وهي هزيمة التنظيم الإرهابي وخروجه من المدينة التي اعتبرها عاصمته السياسية، وسقطت الموصل أو دمرت أو طهرت عرقياً.. لا فرق أيضاً، لأن النتيجة تحققت، وخرج الدواعش من المدينة التي اعتبروها عاصمتهم في الجزء العراقي من "الدولة الإسلامية".

ومثلما ظهر داعش فجأة كنبت شيطاني في أرض العرب، فإنه سيختفي فجأة أيضاً بقرار يظن الكثيرون أنه أمريكي، وليس كل الظن إثم.

ربما لا يختفي داعش في كل مناطق انتشاره الإرهابي، فما زال لديه وجود في ليبيا وفي اليمن وفي سيناء، وما زال لديه خلايا نائمة في عواصم أوروبية، لكن بقايا التنظيم الإرهابي لا تشكل خطراً وجودياً على الدول التي تعمل فيها ويظل نشاطها محدوداً في عمليات إرهابية صغيرة ومحصوراً في مناطق تضيق يوماً بعد آخر.

نحن الآن على أبواب الخلاص من داعش، وهذا انجاز كبير ومهم، وإن كان من يهزمون التنظيم الإرهابي إرهابيون أيضاً وأصوليون طائفيون. لكن هذا الإنجاز الذي تحقق بعد إغراق دول المنطقة بالدم، لا يبدو بريئاً من شبهات الاستعداد لمرحلة جديدة نظنها أسوأ في الخلاصات من كل ما سبقها، وفي هذه الحالة أيضاً لا يبدو الظن آثماً.

بعيداً عن "بطولات" الحشد الشعبي الطائفي في العراق والجيش النظامي في سوريا ومرتزقة أمريكا في صفوف الكرد السوريين والعراقيين، نرى التوقيع الأمريكي على نهاية داعش، ونرى لمسات هوليودية في هذه النهاية الدرامية المخالفة للتوقعات.

لماذا تريد واشنطن الآن إخراج داعش من المشهد الشرق أوسطي؟

كعادتها تؤسس الولايات المتحدة للخراب السياسي بخراب ميداني يشيع اليأس والخوف من المجهول، ويدفع المجتمعات للقبول بالتسويات مهما كانت بائسة وظالمة. ولعل زلزال داعش كان مقدمة لزلزال سياسي كبير سيعيد تشكيل الجغرافيا السياسية في شرق المتوسط لصالح إسرائيل وتفردها بصدارة الإقليم الذي يتحول بسرعة إلى شرق أوسط جديد بمواصفات أمريكية إسرائيلية الهوى.

أعني تحديداً مشروع التسوية الإقليمية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهو ما يشار إليه الآن بصفقة القرن التي يجري العمل على إطلاق مشروعها، من خلال تبريد الصراعات القائمة في المنطقة، وتهيئة الفلسطينيين للتوافق عليها والمشاركة في تمريرها.

لذا يبدو الحديث عن حل الدولتين أو الدولة الواحدة حديثاً عبثياً وبعيداً عن الواقع، وهو خطاب معد للاستهلاك الإعلامي وليس أكثر من ذلك.

ليس المهم دولة واحدة أم دولتان، فالاستقلال لا يتحقق برفع الأعلام فقط، والحرية لا تقاس بمستوى الدخل، والمشروع الوطني لا يسعى إلى تغيير لون اللباس الرسمي لرجال الشرطة.

لكننا، كعرب، لا نملك مشروعنا الخاص في منطقة مسكونة بالاحتلالات، ومفتوحة لصراع القوميات، لذا ربما يكون واقعياً قبولنا بما يعرض علينا وما يقدم إلينا من الآخرين، خاصة عندما تكون الولايات المتحدة هي صاحبة المشروع التسووي.

لم يعد لدى الفلسطينيين خيار آخر، وليس لديهم "ثورة حتى النصر" فقد وئدت الثورة بفساد الحكم وبالانقسام، وانتهى مشروعها منذ بدايات اتفاق أوسلو المشؤوم، وترسخت نهايتها بتشويش الإسلام السياسي على المشروع الوطني. لذا يبدو منطقياً أن يبدأ العمل على إنهاء انقسام غير مبرر بين سلطتين تعتمدان التنسيق الأمني والتهدئة الأمنية مع إسرائيل، وتسعيان إلى البقاء على قيد الحياة السياسية في أي مشروع. ولا مشروع غير مشروع التسوية الذي نسير كلنا إلى تحقيقه ونحن مغمضي العيون.

لا تفتحوا عيونكم، فليس هناك ما تجدر رؤيته.