الأربعاء 18 أكتوبر 2017 / 08:41

مسار أزمة معقدة

مفتاح شعيب - الخليج

يتخوف كثير من العراقيين عرباً وأكراداً من أن تؤدي سيطرة القوات الحكومية على كركوك إلى اندلاع أزمة واسعة النطاق، بينما الجراح التي حفرت عميقاً في الجسد العراقي منذ الاحتلال الأمريكي إلى التحرير من تنظيم "داعش" الإرهابي لم تندمل بعد، ومازالت التحديات الأمنية والسياسية قائمة بشدة. وجاءت أزمة استفتاء كردستان لتفاقم التوتر وتطرح سيناريوهات مخيفة أخطرها تقسيم البلاد أو الدخول في حرب أهلية بمحاور جديدة.

دخول القوات العراقية إلى كركوك خلال ساعات أحدث صدمة للطرف المقابل وأربك وحدته الظاهرة. وعندما أشرق صباح اليوم التالي كان الحزبان الكرديان الكبيران في حكم الصدام، فقد اتهم مسؤولون في الاتحاد الوطني الكردستاني، رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي، بسرقة النفط لتعزيز نفوذه، كما دارت شائعات عن "خيانات" في صفوف قوات البشمركة سهلت سيطرة القوات الحكومية على المنشآت الحيوية. ولم يكن مستغرباً أن يندلع خلاف داخلي بين المكونات الكردية، فحزب الاتحاد الوطني، الذي أسسه الرئيس الراحل جلال طالباني، اقترح إرجاء الاستفتاء إلى ما بعد إجراء مفاوضات مع بغداد برعاية الأمم المتحدة، وهو ما رماه رئيس الإقليم مسعود بارزاني جانباً وقرر خوض المغامرة في "بيئة معادية" تقريباً. إذ سبقت التحرك العسكري العراقي تهديدات وخطوات اتخذتها بغداد وأنقرة وطهران، بينما أكدت أغلب المواقف العربية والدولية ضرورة التمسك بوحدة العراق وسلامته الإقليمية، مثلما اعتبرت أن استفتاء الانفصال مؤشر سيىء على تصعيد خطر قد يضرب المنطقة التي بالكاد تتعافى من فتنة "داعش" وتوابعها.

الانقسام الكردي الذي طفا على السطح، قد يساعد على تخفيف وطأة الأزمة بإيجاد مداخل لحلها وفق القول المأثور "لا ضرر ولا ضرار". فقد اتضح أن سيطرة القوات العراقية على كركوك تمت بلا قتال، وهناك حديث عن صفقة جرت بين القوات الحكومية والبشمركة تم بموجبها انسحاب الثانية لفائدة الأولى. وبقطع النظر عن المواقف حيال هذا المعطى، فقد كان لبعض العقلاء من الأكراد دور حاسم في حقن الدماء وتجنب ما لا تحمد عقباه، وهي مسألة ذات أهمية بالغة تساعد على رسم مسار هذه الأزمة ومداها، وهو ما سيتم كشفه خلال الفترة المقبلة.

قد يكون أنصار الاستفتاء بزعامة بارزاني أكثر المتفاجئين بالتطورات المتسارعة في كركوك التي ألغت عمليا نتيجة الاستفتاء، وفتحت الباب للمفاوضات مع بغداد لدعم الحكم الذاتي وليس الانفصال، لكن الخطر الذي بدأ يطل من وراء الأحداث يتمثل في احتمال اندلاع صراع بين الأكراد أنفسهم، وتحديدا بين حزبي طالباني وبارزاني اللذين سبق أن تقاتلا لثلاث سنوات في تسعينات القرن الماضي. ومن المرجح أن التراشق اللفظي بين الطرفين هذه الأيام قد يتطور إلى أعمال مسلحة في الميدان، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى انهيار إنجازات الحكم الذاتي. أما إذا غلبت الحكمة وتم الاعتراف بالخسارة السياسية بالنسبة إلى دعاة الانفصال، فمن الممكن لملمة الأزمة في بدايتها والحيلولة دون اتساعها. فما يتجلى من معطيات يؤكد أن العواقب سيئة جداً لجميع الأطراف، وتحديداً للطرف الذي يراهن على الانفصال ويتعامى عن قراءة الواقع بكل تفاصيله ومفاجآته.