(أرشيف)
(أرشيف)
الخميس 19 أكتوبر 2017 / 10:43

كركوك.. نجحت صفقة سليماني وورثة طالباني

العرب اللندنية - هارون محمد

مهما قال أقطاب الشيعة في تبرير إرسال القطعات العسكرية وميليشيات الحشد إلى كركوك بحجة بسط الأمن وحماية الثروة الوطنية فيها، فإن التطورات السياسية التي شهدتها المدينة خلال الأيام القليلة الماضية تفضحهم وتكشف زيف ادعاءاتهم، بعد أن ظهر المستور وعرف المخفي، وبانت الصفقة المشبوهة الجديدة، وبطلها الجنرال الإيراني قاسم سليماني مع ورثة جلال الطالباني في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي هو عبارة عن لملوم من العنصريين والماركسيين الماويين والمطرودين من الأحزاب الكردية، شاركت في إنتاجه إيران الشاه وسوريا حافظ الأسد في منتصف سبعينات القرن الماضي، واحتضنته الاشتراكية الدولية وأبرز قادتها الرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز.

ومن تابع تاريخ قادة الأحزاب والحركات الكردية في العراق، لا بد ولاحظ أنه ملتبس، تقاذفته أهواء شخصية ونزاعات عشائرية ومنافسات مناطقية وتدخلات خارجية وأجندة أجنبية، ولم يكن هذا التاريخ المختل في توازنه القومي الكردي والوطني العراقي، في يوم من الأيام منصرفاً لخدمة الأكراد كشعب من حقه أن يعيش حياة حرة كريمة، أو العراق كبلد وحاضنة، فالقادة الأكراد السابقون والحاليون، يقدمون مصالحهم ومنافعهم على كل اعتبار، ويلجأون إلى التمرد والعصيان عندما تنخفض أرباحهم وتقل مكاسبهم، والضحية دائماً هو الشعب الكردي والوطن العراقي، ووقائع الماضي البعيد والقريب خير شاهد ودليل.

ومشكلة القيادات الكردية تكمن في أنها تمارس السياسة وفق طريقة "البزنس"، تشهر السلاح في وجه الدولة وترفع من سقف مطالبها وتهدد وتتوعد، ولكنها سرعان ما تخفت في أول هدية دسمة تتلقاها، ولحظتها ينقلب المزاج وتطفح الوجوه بالفرح وتتلاشى الأوجاع، وأذكر شخصياً وكنت مراسلاً صحافياً في كركوك عامي 1970 و1971، أنني رافقت عشرات المسؤولين إلى قريتي كلالة وحاج عمران لمقابلة الملا مصطفي البارزاني لمناقشته في مضامين رسائله إلى القيادة العراقية وما تحمله من مطالب ورغبات، ولكن عندما تسلم الحقائب المنتفخة إلى أولاده وحاشيته تسود المسرات وتقام الاحتفالات.

ويبدو أن مسعود البارزاني الذي عاصر الأحداث وشارك فيها منذ نهاية الستينات لم يتعظ من التجارب السابقة، عندما أصر على شمول كركوك والمناطق المتنازع عليها باستفتاء الخامس والعشرين من الشهر الماضي، ونسي حقبة الدم بين حزبه وغريمه الاتحاد الوطني في معارك "أم الكمارك" التي لملمت أطرافها مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية عام 1998 في واشنطن.

استغل البارزاني فشل حكومة حزب الدعوة وإخفاقاتها في الإصلاح والتغيير، وتحدى رئيسها الضعيف حيدر العبادي، دون أن يضع في باله أن هناك دولة عميقة يقودها من خلف الستار زعيم الحزب نوري المالكي المدعوم إيرانياً، وهي التي تحكم وتتحكم في العراق، وهي أيضاً جزء من مشروع إيراني واسع لا يقتصر على العراق وإنما له امتدادات في سوريا ولبنان والخليج واليمن، وليس من السهل أن تتخلى طهران عن مكتسباتها في المرحلة الراهنة في ظل أوضاع رخوة يشهدها العراق والمنطقة.

لقد عقد الاستفتاء الكردي في كركوك والمناطق المتنازع عليها، الأزمة العراقية وحمّلها أعباء جديدة ستكون لها تداعيات ونتائج خطيرة على المدى المنظور، وأخطر ما فيها أن الاستفتاء أتاح لحكومة حزب الدعوة أن تقدم نفسها للجمهور العراقي والمجتمع الدولي، وكأنها حكومة وطنية تنشد وحدة العراق وتتصدى للتقسيم، رغم أنها طائفية من قمة رأسها حتى أخمص قدميها، ولا يهمها ما يجري في العراق ما دامت مصالح الحزب الحاكم وحلفائه مؤمنة.

إن سير الأحداث في كركوك وتحديداً منذ تنصيب حكومة حزب الدعوة برئاسة إبراهيم الجعفري في الثالث من مايو (أيار) 2005، أفرز تعاوناً بين الطرفين الشيعي والكردي، في كتابة الدستور الحالي المائع والملغوم، الذي تولى رئاسة لجنة صياغته همام حمودي وهو ملا شيعي لا علاقة له بالقوانين والدساتير، في حين كان نائبه القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني فؤاد معصوم (الرئيس الحالي) المتخصص في فلسفة إخوان الصفا، لا يفقه هو الآخر في القوانين والنظم الدستورية، في وقت تمكن جواد المالكي قبل أن يتحول إلى نوري لاحقاً، من فرض نفسه على اللجنة كممثل لحزب الدعوة وصار مقررها، حيث أصر الثلاثة على أن تتألف اللجنة من 70 عضواً مقسمين إلى 28 شيعياً و15 كردياً و8 سنة عرب زيدوا إلى 12 في ما بعد، وتوزع الباقون الـ15 على ما سمي في حينه بممثلي الطيف الاجتماعي العراقي وغالبيتهم من الشيعة والأكراد والأقليات.

وعندما حاول ممثلو السنة الاستعانة بخبراء في القانون الدستوري لمعالجة الأخطاء والثغرات في مسودة الدستور وكان في ذهنهم منذر الشاوي أستاذ القانون الدستوري في جامعة بغداد ووزير العدل الأسبق، هاج ممثلو الشيعة والأكراد عند سماعهم الخبر، وتم اغتيال اثنين من أعضاء اللجنة هما مجبل الشيخ عيسى وضامن العبيدي ومعهما المستشار القانوني عبدالعزيز إبراهيم، وبعدهم لقي عضو اللجنة حسيب عارف مصرعه أيضاً.

واتفق الشيعة والأكراد على صياغة المادة الـ140 الخاصة بكركوك والمناطق المتنازع عليها، ووضعت ثلاث آليات لتنفيذها (التطبيع والإحصاء السكاني والاستفتاء) التي غيبت بتفاهم الطرفين على إبقاء الأوضاع في كركوك تحت هيمنة الاتحاد الوطني الكردستاني.

والمعلومات المتسربة من السليمانية تشير إلى أن محافظ كركوك الجديد سيكون لاهور جنكي الطالباني ابن شقيق جلال الطالباني، بعد تعيين راكان الجبوري محافظاً بالوكالة، ليكون الأول محافظاً أصيلاً والثاني نائبا أو وكيلاً، وكأننا يا كركوك لا رحنا ولا جينا.