شبان وشابات ينتظرون دورهم للدفع في سوبرماركت.(أرشيف)
شبان وشابات ينتظرون دورهم للدفع في سوبرماركت.(أرشيف)
الجمعة 20 أكتوبر 2017 / 20:05

اشكرني من فضلك

كنت مراهقةً في الـ16 من العمر، أقف بتململٍ فاضحٍ في الطابور المؤدي إلى "الكاشير"، حين حشر أحدهم نفسه في تلك المسافة التي تركها أحد العمال البسطاء بيني وبينه ذوقاً واحتراماً.

لا يعنيني أن تلتزمي بالوقوف خلف هذا الرجل في الطابور الطويل نحو الحقوق والحريات، ولكن اعلمي أنه سيعود بكِ إلى نقطة الصفر

لقد أراد أن يأخذ دور العامل بكل صفاقةٍ، ولم يكن كارل ماركس الكامن في داخلي ليسمح بذلك.

فأرعدت وزمجرت، ونهرت وشاجرت، حتى ابتعد وذيله بين قدميه، يحاول عبثاً أن يقنع الشامتين بأنه لم ير أحداً خلفي. وحين تأكدت من انتصاري، أشرت إلى العامل الآسيوي أن يتقدّم حتى لا يتجرأ المزيد من الوقحين على هضم حقوقه.

ولكنه –قاتله الله- راح يشير معتذراً إلى الرجل إلى أن يعود ليقف أمامه، متنازلاً له عن دوره. ولكم أن تتخيلوا غضبي الشديد حينها، فقد كنت –بلا مبالغةٍ- على وشك أن أشن على المظلوم هجومي على الظالم، وأن أصرّح له بعدم أحقيته بموقف البطولي الخالد.

فأنا قد خاطرت بكل شيءٍ –بما في ذلك سمعتي ناصعة البياض في السوبرماركت- لأذود عن كرامته، وها هو يقابلني بالجحود والنكران. لقد ألقى عطيتي في وجهي على مرأىً من الطابور بأسره، وجميع من التحقوا بنا من قسم المُنظّفات القريب ليعبّروا عن شماتتهم بي.

منذ ذلك اليوم، ربما قمت بمئات الزيارات إلى السوبرماركت، ولكن المشهد لم يتكرر أمامي إذ رحت أصطف مرةً تلو المرة لأقابل ابتسامة "الكاشير" الصفراء، إلا أني أراه بصورةٍ شبه يومية في ذلك الطابور الأزلي المؤدي إلى حقوق المرأة.

يضطلع رجلٌ –هكذا، وتطوّعاً من نفسه- بمهمة دعم النسويات، ومشاركتهن البحث عن حقوقهن. ثم يحدث أن تخالفه إحدانا الرأي، أو تنتقده، أو حتى تشتمه وتسخر منه في تعبيرٍ شديدٍ عن التطرف تتقزّم عنده جرائم الرجال من قتلٍ بداعي الشرف، وضربٍ، واغتصابٍ، وحبسٍ. ما علينا.

فيغضب الرجل، وينقلب على عقبيه، وتتحول النسويات من "أخواتٍ كريمات"، إلى "عوانس مجنونات"، وتذوب جميع الانتهاكات المعروفة ضد حقوقهن وحرياتهن، ويصبح احتقانهن وعدوانيتهن أم القضايا، والخلل الذي يجدر بهن إصلاحه.

فمثل العنود المراهقة الجاهلة في دفاعها عن العامل، إن هذا الرجل يرى نفسه بدعمه للمرأة في موضع تفضّلٍ ومنّةٍ، ولا يمكن أن يرضي غروره إلا أن تقابل تفانيه بالتبجيل والتأييد والثناء اللامحدود.
  
فلم يكن على العامل أن يهينني أو يؤذيني أصلاً –على غرار الشريرات اللاتي يتعدين على الرجال- حتى أتراجع عن موقفي الهش، وأبتلع قناعاتي المشوّهة، وأوصمه بأنه غير جديرٍ بهبتي العظيمة. كان يكفي أن يتخذ قراراً مغايراً لما اعتبرته صائباً وصحيحاً، وهو الصفح عن المخطئ، حتى أعدّه قد تجنّى علي. فمهمته تقتصر على تقديسي، ككل الممتنين للمدافعين عن حقوقهم، بطبيعة الحال.

لا يعنيني أن تلتزمي بالوقوف خلف هذا الرجل في الطابور الطويل نحو الحقوق والحريات، ولكن اعلمي أنه سيعود بكِ إلى نقطة الصفر.