الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الإثنين 23 أكتوبر 2017 / 20:13

هل هي حقاً صفقة القرن؟

إذ يعمل الأمريكيون بهدوء شديد على التحضير لإطلاق مشروعهم، فإنهم يبقوننا مشغولين تماماً بالانقسام الفتحاوي – الحمساوي، وبالصراع بين النظام السوري والدواعش، وأزمة انفصال كردستان عن العراق

بعد تلميحات خجولة من هنا وهناك، تجاوزت الصحافة الإسرائيلية حاجز الصمت والتعتيم، وبدأت بالكشف عن بعض تفاصيل المشروع الأمريكي للحل الإقليمي، وهو المشروع الذي يسميه البعض صفقة القرن.

تقول الصحافة الإسرائيلية إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيطرح مشروعاً لتسوية الصراع في المنطقة يقوم على فرض شرعنة الوجود الاحتلالي الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، مع العمل، من خلال المفاوضات الثنائية المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على تسوية تنتهي بإقامة دولة فلسطينية على أجزاء من الأراضي المحتلة عام 67، على أن يتم تحديد هذه الأراضي من خلال المفاوضات وكذلك الأمر بالنسبة لمصير القدس وملف اللاجئين والقضايا الخلافية الأخرى.

الملفت في هذا السياق أن الأمريكيين لا يضعون جدولاً زمنياً لهذه المفاوضات بل يريدونها مفتوحة وثنائية فقط، لكنهم في الوقت نفسه يريدون أقلمة التسوية من خلال البدء الفوري بالتطبيع المباشر بين العرب وإسرائيل.

الملفت أيضاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يسارع للمجاهرة بتأييده للجهد الأمريكي، ما يوحي باطلاعه على تفاصيل المشروع إن لم يكن مشاركته في صياغته، وهو المعروف برفضه لحل الدولتين! ويبدو أن نتانياهو يدرك مسبقاً أن المشروع ليس جدياً في السعي إلى حل سياسي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بقدر ما هو جاد في السعي إلى وضع نهاية للجفاء السياسي بين الدول العربية وإسرائيل.

هل يمكن أن ينطلق المشروع الآن وفي ظل حالة الاحتقان في فلسطين والمنطقة برمتها؟
من الواضح أن الأمريكيين كانوا يمهدون لمشروعهم منذ فترة طويلة. ومن الواضح أيضاً أن تصعيد الحملات العسكرية ضد داعش في سوريا والعراق يجيء في سياق الخطوات المطلوبة لتبريد جغرافيا الصراع وتحقيق الحد الأدنى من الاستقرار في الدول المحورية في المنطقة مع إبقائها رهينة لهواجس التفجير في اللحظة التي تفكر فيها بالخروج عن المسار الأمريكي.

وقد تسربت أنباء عن لقاءات سرية عقدت في لندن مؤخراً بمشاركة وفود فلسطينية وعربية وإسرائيلية وأمريكية لبحث خطوات إطلاق المشروع الأمريكي، ما يعني أن الفلسطينيين الذين يمثلون الخط الأوسلوي معنيون أيضاً بتمرير المشروع، ربما انطلاقاً من رهانهم على وعود أمريكية بالعمل على إقامة الدولة العتيدة.

وإذا كانت التجربة قد علمتنا عدم الوثوق بالوعود الأمريكية، إلا أن تجربتنا مع جماعة أوسلو علمتنا أيضاً أن هؤلاء لا يثقون بغير أمريكا.
وعلى العكس من الجانب الفلسطيني يدرس الإسرائيليون خيارات مختلفة في التعاطي مع المفاوضات وتحقيق نتائج يرونها ممكنة عند الاستفراد التفاوضي بالفلسطينيين، ومن خياراتهم المطروحة للبحث حكم فلسطيني ذاتي في الضفة الغربية وغزة شبيه بوضع كردستان العراق، ولكن دون سيطرة على المنافذ الحدودية، ومن الخيارات أيضاً الانسحاب من أجزاء من الضفة الغربية والبقاء خارج غزة والعمل على إعادة المنطقتين إلى حال ما قبل السادس من يونيو (حزيران) حين كانت الضفة جزءا ًمن الأردن، وكانت غزة تابعة لمصر.

وإذ يعمل الأمريكيون بهدوء شديد على التحضير لإطلاق مشروعهم، فإنهم يبقوننا مشغولين تماماً بالانقسام الفتحاوي – الحمساوي، وبالصراع بين النظام السوري والدواعش، وأزمة انفصال كردستان عن العراق، وإعادة رسم الفوضى في ليبيا، ومواجهة إيران في سوريا وتمكينها في اليمن!

صفقة القرن هي حقاً صفقة أمريكية مجدية لإسرائيل، لكنها صفعة للمشروع الوطني الفلسطيني. لذا لن تكون أكثر من مرحلة سيئة من مراحل صراع لن ينتهي إلا بالحرية.