صورة تعبيرية للدول الآسيوية الثلاث، الصين وواليابان والهند.(أرشيف)
صورة تعبيرية للدول الآسيوية الثلاث، الصين وواليابان والهند.(أرشيف)
الأربعاء 25 أكتوبر 2017 / 20:43

ثالوث آسيا الخطير!

إذا صحّ أنّ اليابان والهند يحكمهما نظام ديمقراطيّ، على عكس نظام الحزب الواحد في الصين، فالصحيح أيضاً أنّ ثمّة قاسماً مشتركاً بين الزعماء الثلاثة الذين قد يقودون شعوبهم في سياسات من التصعيد المتعاظم. هذا القاسم المشترك أنّهم جميعاً قوميّون متطرّفون

تعيش القارّة الآسيويّة صعوداً بات حقيقة لا يماري أحد فيها. بل يذهب كثيرون من المراقبين والدارسين إلى اعتبار هذا الصعود الوجه الملازم والمكمّل لما يعتبرونه انحساراً في قوّة الغرب ونفوذه.

والحال أنّ الصعود هذا لا تعكسه التحوّلات الاقتصاديّة الجبّارة فحسب، بل أيضاً حجم الإنفاق العسكريّ الضخم، وتعاظم النفوذ السياسيّ بما يتجاوز بلدان آسيا نفسها.

الثالوث الصاعد يضمّ الصين والهند واليابان، مع فارق ملحوظ هو أنّ اليابان، التي سبقت جميع بلدان آسيا في التقدّم والتحديث، بدأت في العقد الأخير تراوح مكانها، كما بات تراجع نموّها السكّانيّ وشيخوخة أبنائها ينعكسان سلباً على اقتصادها.

مع هذا فإنّ نقطة الضعف الأساسية في هذا التحوّل الآسيويّ الكبير إنّما تكمن في العلاقة السيّئة، بل المتوتّرة، بين الدول الثلاث المذكورة. وهذا ما قد يتطوّر على نحو مقلق، وإن كان يحجبه الحدث الكوريّ الشماليّ الذي يحتلّ الواجهة راهناً.

فالهند واليابان يجمع بينهما الخوف المشترك من الصين، ولهذا فهما تراهنان على توطيد التحالف السياسيّ والعسكريّ مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة ذات الحضور العسكريّ الوازن في آسيا والمحيط الباسيفيكيّ.

- لقد خاضت الهند والصين حرباً في 1962 انتهت بهزيمة الأولى أمام الثانية. والبلدان تجمع بينهما أطول حدود مشتركة متوتّرة في العالم كلّه، وهذا ناهيك عن أنّ نيودلهي تتّهم بكين بأنّها تدعم الباكستان وتشجّعها على التجرّؤ على الهند. وجدير بالذكر أنّنا نتحدّث هنا عن بلدين يمتلكان سلاحاً نوويّاً.

- واليابان يربطها نزاع على الجزر مع الصين، كما يربط بين البلدين تاريخ من الصراع والاحتلالات والإذلالات التي سبق أن بلغت ذروتها في الثلاثينات، وهذا فضلاً عن تنافسهما على بعض الأسواق الآسيويّة الأصغر.

ولئن دعّمت الصين مواقعها وعلاقاتها في بلدان تمتدّ من باكستان إلى كوريا الشماليّة وكمبوديا، فإنّ الهند واليابان تحاولان توسيع شبكة تحالفاتهما بحيث تشمل، فضلاً عن الولايات المتّحدة، أستراليا وإندونيسيا وفيتنام وكوريا الجنوبيّة (على رغم وجود إشكالات تاريخيّة معقّدة بين هذا البلد الأخير واليابان).
لكنّ هذه المقدّمات وجدت ما يعزّزها في زعماء الدول الثلاث ممّن تولّوا السلطة في بلدانهم في الفترة نفسها، أي بين 2012 و2014: كشي جينبينغ، أمين عام الحزب الشيوعيّ الصينيّ، وشينزو أبي، رئيس حكومة اليابان، وناريندرا مودي، رئيس حكومة الهند.

وإذا صحّ أنّ اليابان والهند يحكمهما نظام ديمقراطيّ، على عكس نظام الحزب الواحد في الصين، فالصحيح أيضاً أنّ ثمّة قاسماً مشتركاً بين الزعماء الثلاثة الذين قد يقودون شعوبهم في سياسات من التصعيد المتعاظم. هذا القاسم المشترك أنّهم جميعاً قوميّون متطرّفون، ومبالغون - شأنهم شأن القوميّين المتطرّفين جميعاً - في استنهاض تواريخ العداء والنزاع مع البلدان الأخرى.

وضع آسيويّ كهذا يواجهنا، ويواجه العالم كلّه، بأسئلة صعبة وخطيرة، خصوصاً أنّ أيّ صدام عسكريّ مع الصين قد يؤدّي في حال حصوله إلى زجّ الولايات المتّحدة (صديقة الهند والضامن لأمن اليابان) في المعمعة العسكريّة. وهذا يعني صداماً مدمّراً بين الاقتصادات الأكبر في العالم، صداماً لا بدّ أن يرتّب كارثة اقتصاديّة على الكون بأسره.

فهل تبدّد النزعة القوميّة المتطرّفة كلّ الآثار الإيجابيّة التي نجمت عن التقدّم الاقتصاديّ والتقنيّ والعلميّ، بحيث تكرّر آسيا المشهد الذي عرفناه في حروب أوروبا ومنازعاتها؟

حقّاً، ما من أحد يتعلّم من تجربة سواه في هذا العالم الذي لا يسير إلاّ على نحو بالغ التفاوت.