العالم الشيعي الشيخ حسين الخشن. (أرشيف)
العالم الشيعي الشيخ حسين الخشن. (أرشيف)
الأحد 29 أكتوبر 2017 / 20:15

الطب النبوي عند الشيعة

تجد عند متأخري الشيعة من أمثال المفسر الطبطبائي تقدماً في الاتجاه الصحيح، فحين يفسر آية (فيه شفاء للناس) فإنه يجعل من القرآن الكريم شفاءً للقلوب المريضة

من خلال الاطلاع على الكتب الفقهية عند السنة والشيعة، قد تدرك أن الفقه الجعفري ليس إلا مجرد قول آخر إلى جانب أقوال علماء المذاهب الأربعة، فتراه مرة يوافقها كلها ومرة يوافق أحدها، وفي مرات قليلة ينفرد عنها بآراء مخالفة لها أو غريبة عنها، ولو حدث وخالفها فإنه قد يكون موافقاً لرأي من خارج المدرسة السنية الكلاسيكية كرأي لابن حزم أو لابن تيمية مِن مَن سمحت لهم السلطة الفقهية بمخالفة المذاهب المشهورة. هذا في الفقه، أما في الحديث فإنك لو حذفت أسانيد المتون المتعلقة بالفقه في أمهات كتب الحديث السنية والشيعية والإباضية فإنك لن تجد فرقاً كبيراً بينها، فالمتون غالباً هي هي، فعند السنة يكون المتن مروياً عن الصحابة عن الرسول ص، وعند الشيعة يكون مروياً عن أحد الأئمة الإثنا عشر، وعند الإباضية يكون مروياً من طريق جابر بن زيد عن رسول الله، أما كتب العقائد فهي المتون التي فرقت المسلمين إلى فِرق وأحزاب وزرعت بينها الفُرقة والشقاق.

لو فحصنا تفاصيل الطب النبوي في شكله السني فإنه لا يختلف كثيراً عن شكله في المذاهب الأخرى، فأثناء بحثي في بعض كتب الشيعة وجدت عندهم كتباً موازية لكتب الطب النبوي عند السنة مثل كتاب "طب الأئمة" لابن بسطام وكتاب "طب الإمام الرضا" و"طب الإمام الصادق"، وهي في تفاصيلها ومنهجيتها وسردها لا تختلف كثيراً عن كتب السنة إلا في أسماء رواتها وناقليها، بل وجدت تطرفاً وتزمتاً في كلام بعض علماء الشيعة.

فالشيخ المفيد في كتابه "تصحيح عقائد الإمامية" ينص على أن الطب صحيح والعلم به ثابت وطريقه الوحي، وإنما أخذه العلماء عن الأنبياء، وذلك أنه لا طريق إلى علم حقيقة الداء إلا بالسمع ولا سبيل إلى معرفة الدواء إلا بالتوقيف، ولا شك أن وجود هذا النص الخطير في كتاب عقدي سيشكل لغماً حاضناً للتشدد، فالطب والدواء عند الشيخ المفيد هو من أصول الدين، ولا يُعلم به إلا بطريق الوحي وليس التجربة والملاحظة، يخالف هذا النص ما نقله الإمام المجلسي في "بحار الأنوار" أن علياً بن أبي طالب حين جرحه عبدالرحمن بن ملجم، جُمع له أطباء الكوفة فلم يكن منهم أحد أعلم بجرحه من "أثير السكوني" الذي طلب من علي أن يوصي لأنه كان يحتضر، وما كان لعلي إلا أن استجاب لنصيحة طبيبه، فلو كان هو طبيباً لما احتاج أن يستشير أهل الطب من الأساس.

كذلك تجد عند متأخري الشيعة من أمثال المفسر الطبطبائي تقدماً في الاتجاه الصحيح، فحين يفسر آية (فيه شفاء للناس) فإنه يجعل من القرآن الكريم شفاءً للقلوب المريضة، فهو يشفي أمراض القلوب ويزيلها ويعيد إليها حالة الصحة والاستقامة، ولم يذكر أن فيه علاجاً للأمراض العضوية التي يتحدث عنها أنصار الطب النبوي في الفريقين السني والشيعي.

يقول أحد علماء الشيعة وهو الشيخ حسين الخشن في كتابه (مفاهيم ومعتقدات بين الحقيقة والفهم) أن الروايات العلاجية في كتب الشيعة قدمت قريباً من ألف وصفة طبية لمختلف الأمراض، ويعترف أن هذا القسم بحاجة إلى دراسة توثيقية موضوعية تحليلية بغية تنقيتها ووضعها في نصابها الصحيح، كذلك يطعن الخشن في صحة كتاب "طب الأئمة" بسبب جهالة مؤلفه ويرفض قبول مروياته بحجة أنها ترتبط بفروع الدين، ولأن الروايات الطبية وإن لم ترتبط بالعمل والسلوك، إلا أنها ترتبط بصحة الإنسان مما لا يجوز التساهل فيه، وهذا الكلام على بديهيته إلا أنه بحاجة إلى أن يتم التذكير به مرة بعد مرة في مجتمعنا الذي قد يتناسى أن صحة الإنسان هي أغلى مقتنياته التي لا يجوز التفريط بها من أجل نص يحتمل الصواب والخطأ ، فالدواء الحديث الذي تشتريه من الصيدلية قد ثبتت فائدته بالتواتر الذي رواه جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب، وهو أولى بالاتباع من آحاد النصوص أو الظنون.