من مجلس الشورى السعودي.(أرشيف)
من مجلس الشورى السعودي.(أرشيف)
الإثنين 30 أكتوبر 2017 / 20:03

خلط الأوراق في قضايا المرأة

في المحاكم.. المتهم بريء حتى تثبت إدانته. أما في محكمة الرأي العام، فالمتهم بالتحرّش يجب اعتباره مذنباً حتى تثبت براءته

أعتقد أننا مقبلون على العصر الذهبي للمرأة الخليجية، إذ يمكن ملاحظة تغير الأفكار في ما يتعلق بالمرأة في موقع "تويتر"، وما يحدث في "تويتر" لا يبقى في "تويتر"، فأنت على الأرض تتغير بقدر ما تتغير أفكارك في العالم الافتراضي، و"تويتر" أفضل منصّة حالياً لتلاقح الأفكار، على عكس مواقع تواصل أخرى مهيئة أكثر لتعارف الأشخاص.

ومع هذا، بعض ما يُطرح عن المرأة يلفّ ويدور حول فكرة ذكورية المجتمع، وهي فكرة قد تفسّر عدم نيل المرأة الكثير من حقوقها، لكنها لا تصلح كسبب دائماً، فثمة أمور لا علاقة له بالذكورية من قريب أو بعيد. وهذا الخلط في الأوراق يضيع البوصلة نحو حقوق المرأة، فأنت تحتاج لإجراء تشخيص صحيح قبل البدء في العلاج.
  
لنأخذ موضوع التحرّش كمثال، إذ كلما طُرح هذا الموضوع في "تويتر"، خرجت أصوات تطالب بإدانة "الفاعل" حتى لو لم تكن هناك أدلة ضده سوى كلام "الضحية"، إلى درجة أن أحدهم كتب قائلاً: "في المحاكم.. المتهم بريء حتى تثبت إدانته. أما في محكمة الرأي العام، فالمتهم بالتحرّش يجب اعتباره مذنباً حتى تثبت براءته".

ويبرّر الداعمون لحقوق المرأة هذا المنطق المعكوس بأن الإثبات صعب في قضايا التحرّش، ولأن الأمر كذلك، فجريمة التحرّش تعتبر ــ في نظرهم ــ قد وقعت بمجرد الإخبار عنها، والمتهم بها مذنبٌ حتى تثبت براءته.

أما من لا يوافق على التشهير بالناس قبل التثبّت من الاتهامات الموجهة إليهم، فهو ــ في نظرهم ــ غارق في الذكورية، ولا يدرك تأثير النظام الأبوي على كافة مناحي الحياة، وأن مأساة المرأة مع التحرّش لن تتوقف إلا حين تساهم النساء في صياغة القوانين، وتكون النساء على منصّة القضاء بشكل متساوٍ مع الرجال.

ولا أدري في الحقيقة ما علاقة الذكورية بكل هذا، ولا أدري كيف يمكن للنساء صياغة قوانين وفق مبدأ يرى أن كل اتهام بأمر يصعب إثباته بالدليل هو اتهام صحيح، إلى أن نعثر على دليل على عدم صحة الاتهام، ذلك أن هناك قائمة طويلة لجرائم لا يمكن إثبات وقوعها عبر اتهام شخص لآخر، ذكراً كان أو أنثى، ليس لأن المجتمع ذكوري أو أبوي، بل لأنها من طبيعة الأشياء.

خذ مثلاً جريمة السبّ الشفهي، وجريمة التهديد بالقتل شفاهة، وبعض صور جريمة الاحتيال، وبعض صورة جريمة انتحال صفة الغير، وجريمة الضرب الذي لا يترك أثراً على الجسم، بل حتى في جريمة التحرّش بالذكور، خصوصاً إذا لم يكن ثمة آثار، أو جريمة تحرّش أنثى بأنثى مثلاً، ففي كل هذه الجرائم لا بد من أدلة أكثر مما يقوله الضحية، حتى يمكن إدانة الجاني.

وإذا طلب مني موظف حكومي رشوة لتمرير معاملتي، وكان الطلب شفاهة وفي غير حضور أحد، فإن اتهامي له لا يكفي وحده لجرّه إلى المحاكمة، أو التشهير به إلى أن يثبت براءته، بل لا بد من دليل، كاعتراف، أو تسجيل، أو تصوير، أو شاهد.

لذلك.. سنجد أن جرائم طلب الرشوة تكشف بطريقة واحدة، وهي إعداد كمين لاستدراج الموظف والإيقاع به، حيث يلجأ الشخص المعني للجهات الأمنية، وهي ترتب كميناً للقبض على الموظف متلبساً، إما بكاميرا مخفية، أو جهاز تسجيل، أو القبض عليه أثناء تسلّمه مبلغ الرشوة.

ملف حقوق المرأة له الأولوية في النقاشات العامة هذه الأيام، والقوانين آخذة في التحسّن لصالح المرأة، وبفهم ما يجري، وكيف يجري، ولم يجر، يمكن اختصار الطريق نحو تمكين المرأة، ووضع عربتها على السكّة الصحيحة.