لافتة باللغات الروسية والعربية والفارسية والإنكليزية في تدمر.(أرشيف)
لافتة باللغات الروسية والعربية والفارسية والإنكليزية في تدمر.(أرشيف)
الثلاثاء 31 أكتوبر 2017 / 20:09

لغات الاحتلال الأربع في سوريا وطموح لغات أخرى

داعش ينسحب من المنطقة النفطية دون أن يفخخ بئراً نفطية واحدة. وكما استلم داعش حقول النفط نظيفة قبل ثلاث سنوات يسلمها منذ أسابيع لقوات النظام الأسدي، ولـ"قوات سوريا الديمقراطية" نظيفة

تشير صورة للافتة عند أحد الحواجز العسكرية في مدينة تدمر إلى استخدام أربع لغات هي على الترتيب: الروسية، فالعربية، فالفارسية، ثم الإنجليزية.

والصورة تمثل واقع حال ليس في حاجة إلى إثبات. فتواجدها في تدمر، كمدينة تاريخية وسياحية، لا يدفع شبهة واقع الحال العسكري السياسي، فلا سياحة اليوم في تدمر. كما أن السياح لا يواجهون في العادة حواجز تفتيش بالمعنى المتداول للكلمة خلال سنوات الحرب على سوريا، بل بوابات إلكترونية لحماية السواح لا تحتاج إلى لافتات بأربع لغات لفهم وظيفتها ودورها، فالسائح مرَّ من تحتها منذ انطلاقه من مطار بلده، وصولاً إلى مقصده.

في الماضي، كانت سوريا ولا تزال متعددة اللغات تبعاً لتنوع فسيفسائها الاجتماعية القاتلة في ظرفها التاريخي الحالي النابذ للتنوع الخلاق، ففيها إلى اللغة العربية، السريانية والآرامية، والكردية، والأرمنية، والتركمانية، والشركسية، عدا عن طيف واسع من اللهجات المختلفة العربية وغير العربية في مساحة جغرافية ليست كبيرة.

إذاً، فالحاجز في الصورة سياسي، تتصدره اللغة الروسية، وتتقهقر فيه الإنجليزية إلى المرتبة الأخيرة، ربما تبعاً لحجم القوة العسكرية والتأثير ما بين روسيا وأمريكا في عموم سوريا، وفي هذه المدينة تحديداً.

أما وجود هذه اللافتة في تدمر تحديداً فله علاقة أكيدة بالمركز الجغرافي الاستراتيجي للمدينة، وليس السياحي، كعاصمة للبادية السورية المتاخمة لنظيرتها في الأردن والعراق، وكونها صلة وصل ما بين غرب العراق وشرق سوريا على الطريق الدولية الواصلة بين دمشق وبغداد.

يضاف إلى هذا أن تدمر قريبة من نقاط تماس افتراضية بين أمريكا وروسيا ستظل باردة بالمعنى العسكري لحقبة الغزل العنيف بين الاتحاد السوفييتي السابق وأمريكا السابقة طوال عقود، مع احتمال معتبر لسخونة سياسية ستأتي مؤجلة، وقد تبدأ بصدام لا يمكن تجنبه بين حلفاء الطرفين، مصادفة، أو بدفع من حاميهما، عندما يحين وقت دفع المعضلة السورية إلى نهاياتها، فالحرب بداية السياسة حتى لو طالت.

ولأن المنطقة الأسخن حالياً، على الأقل بين أمريكا وروسيا، هي ديرالزور، قريباً من تدمر، بعد أن استقالت أمريكا من دورها في إدلب، تاركة حليفها الكردي في "قوات سوريا الديمقراطية" عرضة لشراسة تركية محتملة في عفرين، بتفهم روسي لحاجات أنقرة الأمنية، فإن الصراع سيبقى سياسياً في المدى القريب، ولن يحصل تنازع على منابع النفط في شرق ديرالزور، كون داعش ينسحب من المنطقة النفطية دون أن يفخخ بئراً نفطية واحدة. وكما استلم داعش حقول النفط نظيفة قبل ثلاث سنوات يسلمها منذ أسابيع لقوات النظام الأسدي، ولـ"قوات سوريا الديمقراطية" نظيفة.

كما أن حقول الغاز ما بين حمص وتدمر أصبحت جميعها في يد النظام الأسدي. هذا يعني أن لا مطامع لأمريكا في نفط سوري متناقص في هذه المنطقة، حيث ينتج "حقل العمر"، وهو أكبر حقول ديرالزور، ثلاثين ألف برميل يومياً فقط. لكن هذا الرقم نفسه مشكوك فيه، كون إنتاج سوريا من النفط تراجع في السنوات الخمس ما قبل 2011 من 550 ألف برميل يومياً إلى ما لا يزيد على 386 ألف برميل يومياً عام 2011، وكان مرشحاً للتناقص سنة بعد سنة حتى في الأحوال الطبيعية للبلاد.

أما أصل الشك في تلك الأرقام فيعود إلى أعوام اكتشاف واستثمار نقط حقول شرق ديرالزور في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كونها لم تكن معلنة، ولم تكن تدخل في الموازنات العامة للدولة، أو في الحسابات القومية كجزء من الناتج القومي المحلي منذ عام 1986 إلى ما بعد عام 2000، حين ورث بشار الأسد سوريا عن أبيه.

وتراوح مدلول العبارة في الصورة بين تحديد خادع بالعربية والإنكليزية، كون المنطقة عسكرية تسري فيها قوانين حاملي القناصات، وبين الإشارة بوضوح إلى خطورة المنطقة في الروسية والفارسية، كونها منطقة اشتباكات، وليست مجرد نقطة تفتيش وعبور من منطقة إلى أخرى، كما تشير ترجمة العبارة من الروسية، وكما هو حال حواجز التفتيش التي تملأ قلب دمشق، والطريق الدولية ما بين دمشق وحمص، والطرق بين المحافظات، شاملة حواجز تفتيش الفصائل المعارضة التي لا تحتاج إلى اللغة العربية، فلغة القهر والخوف المقسَّمة بين عناصر الحاجز والعابرين تغني عن اللغة.

هنالك لغات أخرى في سوريا تجاور العربية في مناطق سيطرت عليها "قسد"، حيث صعدت اللغة الكردية في السنوات الثلاث الأخيرة، في اللافتات والإعلانات والبروشورات، وفي مؤتمرات الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية في إقليم "روج آفا"، بل في المناهج الدراسية الموجهة من "حزب الاتحاد الديمقراطي"، حيث على المعلم العربي الإلمام باللغة الكردية، كون طلابه يتوزعون بين العرب والأكراد والسريان الآشوريين في منطقة الجزيرة العليا. كما أن عدداً لا بأس فيه من مقاتلي "قسد" إما أتراك لا يجيدون العربية، أو متطوعون أجانب لا تهمهم لغات اللافتات والسياسة، على اعتبارهم مقاتلين "أمميين" جاؤوا لمناصرة "حق الأكراد الديمقراطي" كما فهموه من "اللوبي الكردي" الناشط والخبير في أوروبا.

ولأن هذه اللغات كلها لا تتجاور ثقافياً في الحروب الدائرة في سوريا، فلا حوار الآن، بل تصادم على أرضية السياسة المعززة بالسلاح، على الرغم من توزع سوريي المعارضة والنظام، وما بينهما، على مؤتمرات عدة متزامنة بين أستانة وجنيف وحميميم والرياض، كتحصيل حاصل لانتشار "شعوب سوريا" في أصقاع الأرض.