طالبات وطلاب في جامعة بدبي.(أرشيف)
طالبات وطلاب في جامعة بدبي.(أرشيف)
الجمعة 3 نوفمبر 2017 / 19:58

جامعتي يا ولية أمري

حوارات كهذه هي فرصة ذهبية لنا جميعاً لأن نعود إلى الأسس، فنعالجها ونعيد ترتيبها، عوضاً عن أن نهز رؤوسنا بدماثة وتخاذل، أو نكتفي بالاختباء خلف الرجل المؤيد كما لو كان الوحش الذي سنزج به في النزال الدامي ضد القوانين

لا أتصوّر بأنه سبق للجامعات والكليات في الخليج أن تعرّضت لموجة من العتاب مشابهة وموزاية لما لاقته خلال الأشهر القليلة الماضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وضعت الطالبات الإناث تحت المجهر كل ما يتكبّدن من قوانين وقيود يشعرن بأنها تتعارض مع مساعي دول المنطقة لتمكين المرأة.

لقد صدرت الانتقادات من أكثر من بلد خليجي، وضد أكثر من مظهر من مظاهر كبت الطالبات، فهنا تُوضع المعوقات أمام خروجهن من الحرم الجامعي، وهنا لا يُسمح لهن باستخدام سياراتهن الشخصية أثناء مكوثهن في السكن الجامعي، وهناك لائحة لا قعر لها عما يحق ولا يحق لهن ارتداؤه والتزين به، ناهيك عن الأوامر حيال حجاب الرأس أو العباءة.

بل إحدى القصص العجيبة التي مرّت بي كانت عن جدال حاد بين إدارية في إحدى الجامعات المخصصة للفتيات وبين أستاذة غربية، وذلك بحجة أن الثانية "تُفسد" الطالبات بتعوديهن على فكرة استخدام مختبرات الجامعة ومرافقها خارج أوقات العمل الرسمية-!-، وحتى ساعات الليل. كفانا الله وإياكم شر "الصياعة" الأكاديمية.

وبلا شك أنه نقاش مبارك، ووعي مشرق، وآمل شخصيا ألا يضع أوزاره بمجرد مجاملة الطالبات، وتلبية الحد الأدنى من مطالبهن، فهن يحاربن على أحد أهم ثغور استعادة أهلية المرأة.

وأيضا لا أتمنى أن يقتصر النقاش على النساء، فقد وجدت تعليقات عدة من الرجال بصفتهم آباء وأخوة وأزواج مناصرين لهؤلاء الطالبات.

ولكن كان لصدمتي أن مداخلاتهم "التأييدية" اقتصرت على نغمة واحدة ناشزة، وكأنما صمت آذانهم المزهوة بذاتها عن سماع التناقض الصارخ.

فما أن تسرد الطالبة معاناتها، حتى يهب أحدهم مستغرباً أن رغباته وإرادته الشخصية لم تعد توفّر لها الحصانة في ذلك العالم الخارجي، وأن هناك من ينازعه في ملكيته لها، وسطوته عليها. إنه لا يدرك الفوارق بين تأييدها، وبين اعتبار الجامعة إنما تقتطع من صلاحياته اللامتناهية، ولا يدرك بأن "فزعته" ليست لمبدأ إعادة حرية الاختيار إلى المرأة، بل هي أشبه بتعصب الجاهلي لجواريه وإماه.

"بأي حق تفرض الكلية على شقيقتي الحجاب، وأنا قد أجزت لها نزعه؟"، يتساءل. "ومن ذا الذي يجرؤ على منع زوجتي من الخروج من جامعتها، وأنا قد منحتها مباركتي بالتسكع حيثما شاءت؟"

بل وكثيراً ما يطلق أحدهم سؤالاً بلاغياً مزلزلاً مثل، "ألست أنا ولي أمرها؟ ألست أنا المسؤول عنها؟"
على الرغم مما ستوهمك به أسطر هذا المقال، لست تلك النسوية الساخطة التي ترفض مجرد الإقرار بوجود الإيجابيات، ومحاولة البناء عليها.

ولكن حوارات كهذه هي فرصة ذهبية لنا جميعاً لأن نعود إلى الأسس، فنعالجها ونعيد ترتيبها، عوضاً عن أن نهز رؤوسنا بدماثة وتخاذل، أو نكتفي بالاختباء خلف الرجل المؤيد كما لو كان الوحش الذي سنزج به في النزال الدامي ضد القوانين.
لنواجهه أولاً، فنطرق على الحديد وهو حام...