رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري.(أرشيف)
رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري.(أرشيف)
الأحد 5 نوفمبر 2017 / 19:44

نفق جديد في لبنان..!

تُضاف استقالة رئيس الوزراء الحريري، بصرف النظر عن تفاصيلها، إلى قائمة طويلة من الشواهد، التي تبرر الارتياب في التجليات الميليشياوية للجماعات الأهلية، في غزة كما في لبنان

لا يكاد لبنان ينجو من حفرة حتى يقع في غيرها. فبعد الاستعصاء الرئاسي على مدار سنوات، تأتي الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء سعد الحريري لتضع البلاد على عتبة المجهول، فلا أحد يعرف، الآن، اتجاه الريح، ولكن أحداً في لبنان لا يستطيع ادعاء التفاؤل. وليس من قبيل المجازفة القول إن لبنان، الذي لا يشكو ندرة العوامل الداخلية التي تعرقل استقراره، يدفع فاتورة صراعات وتوازنات إقليمية ودولية لا ناقة له فيها ولا جمل.

وإذا كان ثمة من إمكانية للقبض على تمفصل الداخلي مع الإقليمي والدولي، في لبنان، وقد ظهر كلاهما واضحاً في استقالة الحريري، فإن حزب الله يمثل حالة فريدة في هذا الصدد. وبقدر ما يتعلّق الأمر بالوضع الداخلي: يملك الحزب ميليشيا مُسلّحة هي الأقوى على الأراضي اللبنانية، ويترجم هذه القوّة في الحقل السياسي بطريقة تضعه فوق القانون، وفوق سلطة الدولة، وفي الأمرين ما يُجرّد الدولة (مطلق دولة) من حقها الحصري في احتكار السلاح والعنف، ويجعل منها، كما المجتمع نفسه، رهينة في يد الأقوى والأكثر قدرة على حسم التناقضات الاجتماعية والسياسية بالسلاح.

في ظل وضع كهذا، تتجلى في خصوصية العلاقة بين حزب الله وإيران التداعيات الكارثية لتمفصل الداخلي مع الإقليمي والدولي على الدولة والمجتمع اللبنانيين. فالحزب، وبكثير من المعاني، يعمل وكيلاً سياسيا وعسكرياً وأيديولوجياً لقوّة خارجية تسعى لانتزاع مكان ومكانة الدولة النافذة في الإقليم، ولا تتوّرع عن توظيف الآخرين كبيادق، ولا عن تحويل بلادهم إلى ساحات حروب بالوكالة. وبهذا المعنى، يدفع لبنان من أمنه واستقراره ومستقبل دولته ونظامه السياسي ولا يجني شيئاً، أما العوائد فتُترجم في صورة مكاسب سياسية واستراتيجية على طاولة الإيرانيين.

وُلد حزب الله بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وأسهم بفعالية في تحرير الجنوب، ولكن تمفصل الخصوصيات الداخلية، التي رافقت نشأته، ونشاطه، في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، مع خصوصيات إقليمية ودولية لم يتضح بصورة كافية حتى العام 2000، الذي شهد انسحاب إسرائيل من طرف وحد من جنوب لبنان.

ففي ذلك العام فقد الحزب مبرر وجوده كقوّة محلية تسعى لتحرير المُحتل من أرض الوطن. ولم تكن ذريعة "مزارع شبعا" مُقنعة لتبرير الحفاظ على السلاح بدلاً من التحوّل إلى حركة سياسية سلمية ومسالمة. وبعد حرب العام 2006 بين الحزب وإسرائيل في جنوب لبنان، لم يعد الحزب معنياً بتبرير خياره في الحفاظ على السلاح رغم معارضة واحتجاج قطاعات اجتماعية وسياسية مختلفة من اللبنانيين. وقد احتاج الأمر بضع سنوات إضافية وصولاً إلى موجة الربيع العربي، والثورة على نظام آل الأسد، ليتجلى وجود الحزب كميلشيا مُسلّحة عابرة للحدود بما يتجاوز لبنان نفسه، والصراع العربي ـ الإسرائيلي.

لا يشكو مختلف فرقاء الصراع الاجتماعي، والسياسي، والأيديولوجي، مرفوعاً على خلفياته الطائفية والمذهبية، ندرة النفوذ الخارجي، وتأثيره على خياراتهم الداخلية. ولكن حالة حزب الله تحرّض على الخروج بخلاصات من نوع:

أولاً، ينطوي كل صراع، من جانب جماعة أهلية، مع عدو حقيقي، أو متوهّم، في الخارج على محاولة لإعادة ترتيب أوراق وتوازنات القوّة في الحقل السياسي المحلي.

ثانياً، لا يندر أن تنطوي محاولة إعادة ترتيب أوراق وتوازنات القوّة في الحقل السياسي المحلي على المغامرة بافتعال أو تأجيج الصراع الخارجي، وبما لا يخدم بالضرورة القضية الوطنية الجامعة التي تزعم الجماعة الأهلية تمثيلها.

ثالثاً، لا يمكن لجماعة، أو ميليشيا مُسلّحة، تسعى لترجمة رأس مالها الرمزي، الناجم عن صراع مع عدو في الخارج، إلى مكاسب سياسية في الداخل، أن تقبل في مرحلة ما من تطورها بوجود قوّة أعلى منها، سواء تمثلت في الدولة، أو في ميليشيات منافسة. لذا، يظل احتمال الحرب الأهلية مفتوحاً، وتظل الدولة مُعاقة.

يمكن العثور على ما تقدّم في تجربتي حماس في غزة، وحزب الله في لبنان. وفي سياق كهذا تُضاف استقالة رئيس الوزراء الحريري، بصرف النظر عن تفاصيلها، إلى قائمة طويلة من الشواهد، التي تبرر الارتياب في التجليات الميليشياوية للجماعات الأهلية، في غزة كما في لبنان. أما النفق الذي دخله لبنان مع استقالة الحريري فيصعب التكهّن بطوله ومدى حلكته الآن.