من وثائف أسامة بن لادن التي كشفتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إي".(أرشيف)
من وثائف أسامة بن لادن التي كشفتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إي".(أرشيف)
الأحد 5 نوفمبر 2017 / 19:47

ماذا كشفت وثائق بن لادن؟

الجديد في هذه الوثائق هو أن المخابرات الأمريكية تؤكد على الدور القطري في القصة، وهذه هي دعوى دول الاعتدال المقاطعة لقطر

لا شيء أنفع من التفكير المنطقي والتساؤل المنطقي والاستشكال المنطقي، لكل من يريد أن يصل إلى أية معرفة صحيحة من أي نوع. أسامة بن لادن قُتل في 2 مايو (أيار) 2011 وكان تنظيم القاعدة في تلك الفترة محاصراً، ولم يكن خلَفه أيمن الظواهري يملك القدرة على الحركة والانتشار خارج الكهوف التي كان يقيم فيها، فمن ذا الذي استمر في نشر العنف والإرهاب في كل مكان في العالم؟! إنهم أطراف عدة سأذكرهم في نهاية المقال.

الوثائق التي كشفها الأمريكيون مؤخراً كانت موجودة على جهاز الكمبيوتر الخاص ببن لادن والذي ضبط بعد مقتله في العملية العسكرية التي استهدفته. ما نشر في الدفعة الرابعة من الوثائق يشمل 470 ألف ملف، منها رسائل خاصة موجهة إلى أشخاص في التنظيم، ورسائل عامة لأتباع القاعدة في كل بقاع العالم، وسيناريوهات ومقترحات لأفلام فيديو خاصة بالدعاية للقاعدة.

من أهم القضايا التي كشفتها الدفعة الرابعة من الوثائق اغتباط وابتهاج بن لادن بثورات الربيع العربي التي وصفها بـ"الحدث العظيم"، وحركة لم تشهدها المنطقة منذ قرون. ينبغي أن ننتبه إلى أن the great event "الحدث العظيم" وصف كان يطلق على أحداث 11 سبتمبر 2001، وها هي بعد عشر سنين تستمر في توصيف حدث آخر. مشكلة 11 سبتمبر أنه في نظام أمن المعلومات الأمريكي فقرة عن حق السرية يخوّل الدولة أن تخفي الأسرار لمدة 30 سنة قبل نشرها للمواطن الأمريكي. هذا معناه أنه لا بد أن ننتظر حتى 2031 حتى نعلم على وجه الدقة لا على وجه التكهنات، والتخرصات التي يحسنها كل إنسان، ما حدث في 11 سبتمبر وما دور بن لادن فيه وما سر التعاون ثم العداوة التي حصلت بين الطرفين.

ابتهاج بن لادن ظهر في سعيه لاستغلال الثورات، ولإشعال حالة من عدم الاستقرار وتحريك تنظيمه الإرهابي للتغلغل في البلاد التي وقعت بها الثورات، واستخدام قناة الجزيرة كناطق إعلامي لتنظيم القاعدة الإرهابي, يغطي أخبار التنظيم, ويكون صوتاً للثورة، وحرباً على كل الأنظمة العربية، من أجل زعزعة الاستقرار، وإشعال المزيد من الحروب، حتى تسقط الأنظمة كلها، ما عدا نظام واحد.

ذكرت الوثائق ما يشير إلى علاقة بن لادن بتنظيم الإخوان المسلمين، وأنه كان متأثراً بالخط الذي رسمه حسن البنا فمَن بعده، لهدف تكوين دولة الخلافة الحالمة. هذه أيضاً يعرفها كثيرون، فأسامة بن لادن إخواني التأسيس والتكوين. هذا هو انتماؤه الفكري والسياسي منذ البداية وليس هناك ما يشير بوضوح إلى أنه ترك التنظيم أو تبرأ من الجماعة الأم في يوم من الأيام. الجماعة هي التي كانت تتبرأ من أعضائها علناً وتبارك ما يفعلونه سراً، على مدى عقود من الزمان. لطالما حدث هذا، منذ تأسيسها، ومنذ تبرئها ممن أقدم على اغتيال رئيس الوزراء المصري المناضل محمود فهمي النقراشي في 28 ديسمبر (كانون الأول) 1948. يتبرؤون علناً ويعانقون القاتل سرّاً.

حسناً، ماذا بعد إسقاط الأنظمة العربية؟ هل كان بن لادن يحلم أن يحكم الدول العربية كلها بتنظيم من المقاتلين يقيمون في جبال تورا بورا؟ لا، بطبيعة الحال، بل هو بحاجة لامتداده الطبيعي، جماعة الإخوان المسلمين، ليساعدوه في هذه المهمة. هنا نكتشف أنه من السذاجة الفكرية أن نفرق بين تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين، فكلهم تيار واحد يتقاسمون الأدوار. ما الدليل على هذه العلاقة بين الطرفين؟ الدليل هو ما ورد في الوثائق الأمريكية عن رغبة بن لادن في إسقاط السعودية وكل دول الخليج ما عدا نظام واحد: قطر، المأوى الآمن للإخوان منذ عقود طويلة. فإن اعترض أحد بالقول: كيف تصدّقون الأمريكيين؟ فالجواب هو أننا لا نصدّق أحداً ولا نكذّب أحداً بدون قرائن، وقرائن الحال وكل ما حدث لبلاد العرب منذ 2011 يؤكد أن قصة البوعزيزي ليست سوى كذبة، وأن بلاد العرب عاشت مؤامرة ثقيلة، كانت قطر والإخوان طرفاً فاعلاً خائناً فيها.

الجديد في هذه الوثائق هو أن المخابرات الأمريكية تؤكد على الدور القطري في القصة، وهذه هي دعوى دول الاعتدال المقاطعة لقطر. صحيح أن هذا الدور بدأ في التكشف للجميع، منذ بدأت المقاطعة "المباركة" لقطر، لكن من المهم أن تستمر تعرية هذا الدور وكشف كل خباياه، فلم يظهر لنا من تحت الجليد إلا قمة الجبل.

إن المسؤولين عن العنف والإرهاب عدة أطراف لا طرف واحد، ولا يمكن اختزال المسؤولية في أشخاص بحيث يزول بزوالهم. لقد كشفت هذه الوثائق عن حقائق، البعض كان يعلمها، لكنها صدمت آخرين. من أهمها أن أسامة بن لادن كان على علاقة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذا ليس سرّاً بالنسبة للعرب الأفغان ممن شاركوا في الحرب ضد السوفييت، فكل من مكث سنة هناك يعلم أن العلاقة مع إيران كانت جيدة ( أو علاقة تقاطع مصالح بحسب تعبير بن لادن) علاقة تنطلق من الدعم المالي والتدريب في معسكرات حزب الله في لبنان، وتسهيل تنقلات أعضاء القاعدة وإصدار جوازات السفر المزورة لهم، ولا تنتهي بعلاج مقاتلي القاعدة في المستشفيات الإيرانية، بل بإعادة أولئك المقاتلين إلى أفغانستان على الطائرات والناقلات العسكرية الإيرانية ليعودوا إلى القتال من جديد.

أما العلاقة مع إيران، فهذا أمر لا يقتصر على بن لادن، فجماعة الإخوان المسلمين لديها نقاط التقاء وتاريخ صداقة قديم مع الملالي وفكرهم في إيران، يمتد لما قبل ثورة الخميني، يمتد لزمن سيد قطب، بل قبله، لزمن حسن البنا الذي كان تلميذاً نجيباً لمدرسة أبي المكائد والدسائس جمال الدين الأفغاني الماسوني الشهير، المولود في إسلام أباد الإيرانية، لا الأفغانية.

لقد انفضحت الأيادي التي شاركت في طعن العالم العربي هذه الطعنة الغادرة، وهم صعوداً: تنظيم القاعدة ووريثه تنظيم داعش، والجماعة الأم الحاضنة لكل إرهاب، جماعة الإخوان المسلمين، والنظام القطري بمراهقته السياسية ورغبته في تضخيم الذات والدور الذي لعبه مع دول كلها أكبر منه أدت به إلى خيانة أهله وجيرانه، وإيران وتركيا بأطماعهما التوسعية ورغبتهما في الهيمنة ولن ننسى دور تركيا في دعم تنظيم داعش بكل وسيلة، ولن ننسى أيضاً أن نلوم إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التي باركت المشهد كله.