مناصرون للزعيم الشيعي مقتدي الصدر يتظاهرون ضد الفساد في بغداد.(أرشيف)
مناصرون للزعيم الشيعي مقتدي الصدر يتظاهرون ضد الفساد في بغداد.(أرشيف)
الثلاثاء 7 نوفمبر 2017 / 13:17

العراق بعد داعش.. لا زال الخطر محدقاً

تتسارع الأحداث في العراق مع قرب انتهاء الحرب على داعش، وهروب مقاتليه واستعادة العراق سيطرته على أراضيه، والتي استولى عليها التنظيم منذ يونيو (حزيران) 2014. وهذا، بحد ذاته، يبدو نصراً كبيراً، ولربما يؤذن ببداية جديدة بالنسبة للعراقيين.

بدون تفاهمات بين الأعراق وداخل الدين الواحد، وتحقيق تآزر اجتماعي، وتطبيق ثقافة العيش المشترك، والتماسك الاجتماعي، لن يتحقق للعراق ما يصبو إليه أبناؤه

لكن بحسب محمد نور زمان، أستاذ مساعد للعلاقات الدولية لدى جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا في الكويت، يبدو مستقبل العراق محفوفاً بمخاطر عدة، ما لم تبذل جهود كبرى لاستعادة وحدة العراق وإقرار إصلاحات. وهناك حاجة للقيام بمهمة شاقة للموازنة بين أدوار ونفوذ لاعبين إقليميين وخارجيين، ولعدم السماح لهم باستخدام العراق كساحة لتصفية نزاعات سياسية.

تجنب اللبننة

ويرى الكاتب أن مستقبل العراق يعتمد، باختصار، على قدرته على تفادي لبننة السياسات الداخلية (انهيار العملية السياسية بسبب صراعات على تقاسم السلطة واختيار من يتسلم المناصب الهامة).

ويشير نور زمان لكون العملية السياسية في العراق، ومنذ تأسيسه في عام 1932، بموجب اتفاقية سايكس بيكو في مايو(أيار) 1916، قد شهدت تنافساً ثلاثي الأبعاد بين الشيعة والسنة والأكراد. فقد تناحروا في ما بينهم على النفوذ والسلطة وفقاً لخطوط إثنية ودينية وطائفية. ونتيجة لكل ذلك التناحر، لم ينشأ حزب سياسي وطني يمثل العراقيين بجميع طوائفهم، أو انقساماتهم الدينية، أو يوحد بينهم في إطار موقف وطني موحد. ولذا كانت هناك دولة عراقية، لا أمة عراقية.

استبعاد وتهميش
ويلفت الكاتب لتوترات إثنية ودينية شهدها العراق تحت حكم حزب البعث بقيادة صدام حسين ( 2003-1979). فقد شكل صدام دولة مركزية، واتبع سياسة التعريب بهدف دمج غير العرب، ومعظمهم أكراد ضمن النسيج الثقافي السائد، والذي قام على تفضيل الأقلية السنية، ووضع ممثليها في جميع المراكز الهامة في الدولة (وزراء الدفاع والنفط والداخلية إلخ). وتم تهميش الشيعة والأكراد.

الأكراد

ويقول نور زمان إن الأكراد كانوا من أكثر من تمت التضحية بهم، فقد عانوا على أيدي حكومة صدام. وكان الهجوم الكيماوي على مدينة حلبجة في 1988، أكبر شاهد علي معاناتهم. كما يواجهون اليوم غضب الحكومة العراقية ذات الغالبية الشيعية بسبب إجرائهم استفتاء على الاستقلال في 25 سبتمبر( أيلول) الأخير.

وبحسب الكاتب، كشفت نتيجة الاستفتاء عن ضعف ثقة الأكراد في كل من السنة والشيعة العراقيين. وكان حكمهم الذاتي لما يعرف باسم كردستان العراق، قد جاء كهدية من الأمريكيين، لقاء تعاونهم في غزو القوات الأمريكية من أجل تفكيك نظام البعث. ومن قبل، فرضت الولايات المتحدة ومعها المملكة المتحدة منطقة حظر طيران فوق شمال العراق عشية حرب الخليج لعام 1991، ما جعل كردستان دولة قائمة بحكم الأمر الواقع.

تفاهمات
ويرى الكاتب أنه على الرغم من القضاء على مقاتلي داعش، وإلحاق هزيمة بقوات البشمركة الكردية في كركوك، لا يسود حالياً في العراق شعور بالهوية الوطنية. وبدون تفاهمات بين الأعراق وداخل الدين الواحد، وتحقيق تآزر اجتماعي، وتطبيق ثقافة العيش المشترك، والتماسك الاجتماعي، لن يتحقق للعراق ما يصبو إليه أبناؤه الذي أنهكته الحروب منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً.

تقاسم السلطة
وبحسب نور زمان، لا بد من وضع ترتيبات لتقاسم السلطة كبداية لتشكيل الهوية الوطنية. وبالعودة إلى عام 2007، اقترحت الولايات المتحدة نظاماً فيدرالياً لحكومة عراقية من أجل سلطة لامركزية ونقل الموارد إلى وحدات فيدرالية. ويومها انتقدت الحكومة العراقية بقيادة المالكي وزعماء السنة الفكرة بشدة، واعتبروها كخرق للسيادة العراقية. ولكن الأكراد فضلوا الفيدرالية كوسيلة لضمان هويتهم التاريخية والثقافية في العراق.

ضغوط خارجية
ومن جهة أخرى، يرى الكاتب بأن العراق كان ولا زال منذ عام 2003، يجسد حالة "بلقان أوروبا" في الشرق الأوسط. وقد سعت عدة دول إقليمية وخارجية لبسط نفوذها في أراضيه عبر تفضيل طائفة أو حزب على آخر. وبينما تفضل السعودية والولايات المتحدة عراقاً بعيداً عن إيران، سعت طهران، لوضع العراق ضمن مدارها الإقليمي.

من هنا، يشير نور زمان بوجوب ممارسة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، دبلوماسية ماهرة تساعد في كسب دعم سياسي واستقطاب استثمارات من جميع الأطراف، فضلاً عن الولايات المتحدة، لأجل إعادة بناء العراق ما بعد داعش. ومن شأن الجنوح بقوة نحو أي طرف، أن يقوض مصالح العراق الطويلة الأمد. وقد حان الوقت لأن يضع العراق جميع اللاعبين المحليين والخارجيين على نفس القارب لكي يضمن تجنب مستقبل خطر.