أكراد عراقيون يتظاهرون تأييداً للاستقلال.(أرشيف)
أكراد عراقيون يتظاهرون تأييداً للاستقلال.(أرشيف)
الثلاثاء 7 نوفمبر 2017 / 19:29

الانزياح الكردي

تطور الحذر من مخاطر احتمالات المواجهة العسكرية ورغبة التقليل من الأثمان والخسائر ينطويان على نضج سياسي لم يتوفر لدى الكرد في أربعينيات القرن الماضي

تبدلت أولويات في التفكير السياسي الكردي مع تراجع حلم الاستقلال وتقدم ضرورات إعادة ترتيب البيت الداخلي بالشكل الذي يضمن قراءات دقيقة للمشهدين الدولي والإقليمي وعقلانية التعاطي مع الخيارات المتاحة.

أبرز مظاهر التبدل التي طفت على سطح فوضى الكردستان العراقي سرعة التحول في مواقف قوى رئيسية كردية انضمت إلى الدفع باتجاه الاستفتاء عشية إجرائه ولم تتوان عن شيطنته ومحاولة إزالة آثاره مع انسداد أفقه.

يستدعي التفكير بمبررات التحول وأسبابه الظروف والمناخات التي رافقته وفي مقدمتها التحركات الإقليمية والدولية لحرمان الكرد من حقهم في تقرير المصير ومنع انتقال حلمهم المزمن بالاستقلال إلى مربع الحقيقة العابرة للحدود في منطقة تعبث بها الاحتمالات وهشاشة الأوضاع الداخلية في الكردستان العراقي وانقسامات أطرافه السابقة للاستفتاء وتضارب تقاطعات هذه الاطراف مع دول الإقليم.

في حدة الاصطفافات الداخلية التي أحدثتها تحولات وتبدلات المواقف بين عشية الاستفتاء وغداته دلالة على رغبة في الحفاظ على المكتسبات المتمثل أبرزها في الحكم الذاتي الذي أنجزه الكردستان العراقي حتى لو جاء ذلك على حساب التنظير لاستقلال مراوغ.

تطور الحذر من مخاطر احتمالات المواجهة العسكرية ورغبة التقليل من الأثمان والخسائر ينطويان على نضج سياسي لم يتوفر لدى الكرد في أربعينيات القرن الماضي حين تم الإجهاز على جمهورية مهاباد الوليدة وانتفاضات أخرى لاحقة ممتدة من ديار بكر إلى كرمنشاه مروراً بالقامشلي وإربيل والسليمانية.

الجوهر الذي يمكن التوقف عنده في مثل هذه الحالة هو التغيير الذي أحدثته المكتسبات السياسية الكردية وما أفرزته تطورات الفكر السياسي خلال العقود الفاصلة بين انهيار جمهورية مهاباد واستفتاء الكردستان العراقي في ذهنية السياسيين الكرد. ففي الاداء الكردي خلال الأزمة الاخيرة ما يوحي بحضور تصورات ما بعد العولمة ومن بينها تراجع أهمية الدول وامكانية تعميم وتكريس فكرة تعايش القوميات والإثنيات في فيدراليات وكونفدراليات اذا استحالت الاستجابة لاملاءات التعددية في النظم السياسية القائمة .

أول ما يتبادر للذهن في ظل هذه المعطيات إمكانية التوظيف المستقبلي لافرازات مكتسبات الكرد وآثار العولمة في الذهنية الكردية وآخر ما يمكن تجاهله لدى تقليب هذه الفرضية ضرورات قيام دول الإقليم بمراجعات حقيقية للأساليب التي اتبعتها خلال العقود الماضية في التعامل مع السؤال الكردي وصولاً إلى الاعتراف بحق الكرد في تقرير مصيرهم لأن فشل الكردستان العراقي في نيل استقلاله ومهادنته للمعادلة الإقليمية ـ الدولية لا يعني تخلي الكرد عن الحلم الذي بات مع الزمن عنصراً أساسيا بين مكونات الذات الكردية، ولا بد من التعامل الحذر مع حساسيته، لدى الشروع في بناء الثقة والبحث عن تصورات جديدة للتعايش.
  
فتحت الهزة التي أحدثها استفتاء الكردستان العراقي وتداعياته أفقاً جديداً في تفكير السياسيين الكرد لكن انغلاق ذهنية الطبقة السياسية في دول الوجود الكردي وغياب قدرتها عن استيعاب حق الكرد في الشراكة الحقيقية مع بقية مكونات المجتمع وفي التعبير عن الهوية القومية ما زال يحول دون الاستفادة من هذا التحول .