من آثار الحرب في الرقة.(أرشيف)
من آثار الحرب في الرقة.(أرشيف)
الثلاثاء 7 نوفمبر 2017 / 19:31

عودة نازحي الرقة بين شروط الحياة وفقدان السياسة

ستكون عملية العودة صعبة على أبواب شتاء الرقة القاسي، إلا إذا لحظ المانحون حجم العمل والمال المطلوبين لتوفير المياه والكهرباء والاتصالات والخدمات البلدية

يوم الأحد، عاد النازحون من قرية المشلب الملاصقة للرقة من جهتها الشرقية إلى بيوتهم، بعد خمسة أشهر من نزوحهم، وعلى الرغم من انسحاب داعش منها في 8 يونيو (حزيران) الماضي، أي بعد يومين على انطلاق معركة الرقة.

وكان أهالي هذه القرية الكبيرة حاولوا العودة إليها يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد أيام من إعلان تحرير الرقة بشكل رسمي في 20 من الشهر نفسه، فقابلهم عناصر "قوات سوريا الديمقراطية" بإطلاق الرصاص الحي ليجرحوا عشرة منهم. وللمفارقة كان مبرر إطلاق الرصاص هو حمايتهم من خطر الألغام إن عادوا بشكل منظم إلى بيوتهم.

لكن قسد أوفت بوعدها، وعاد أهالي القرية إلى بيوتهم بعد عشرة أيام من الحادثة الأخيرة، حسب الوعد بعد حادثة إطلاق النار.

هنا، من المجازفة القياس إلى أن حياً واحداً استغرق تأمينه من الألغام عشرة أيام، وبالتالي ستستغرق أحياء الرقة الـ26 ما لا يقل عن 260 يوماً لتأمينها، فقد يكون الرقم أعلى من ذلك كون المشلب أصغر من أصغر أحياء الرقة. وقد يكون الرقم أقل بكثير كون حجم الدمار في المدينة أكبر بكثير من الدمار في المشلب.

لكن هذه الـ260 يوماً التقديرية تعادل أكثر من ثمانية أشهر، دون أن يعني ذلك أن عودة النازحين تتطلب كل هذا الوقت، فالعودة ستكون تدريجية، أي أن الحي الذي يتم تأمينه يعودون إليه لتنتظر الأحياء الأخرى الانتهاء من تأمينها. هذا لمن بقي بيته سليماً، أو لمن تضرر بيته جزئياً ويمكن إصلاحه بترميم سريع، أما من تدمر بيته كلياً فالحديث عن عودته يحمل مجازفة ثانية.

ووفق معلومات من مصادر خاصة، فقد تعهد الأمريكيون بإصلاح شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي، لكن دون تعهد بتوفير عودة التيار الكهرباء. والأمر نفسه ينطبق على قسد، التي تغاضت عن سرقة سبع مولدات للتوتر العالي كان أصحابها يوزعون الكهرباء على المدنيين وفق نظام "الأمبيرات" قبل يومين من الإعلان الرسمي عن "تحرير الرقة". وزادت قسد أن مهمة إزالة أنقاض البيوت المدمرة هي مسؤولية الأهالي، وأنها ستقوم فقط بفتح الشوارع للحركة المرورية.

في هذا الوقت، نشأت مهنة جديدة في الرقة، من خلال توافر خبراء كشف ألغام بواسطة أجهزة، حيث يمكنك الاستعانة بالخبير للكشف عن وجود ألغام في مدخل بيتك، إذا كان لا يزال البيت قائماً، وفي مقابل 250 ألف ليرة سوريا (حوالي 500 دولار) يمكن للخبير تأمين البيت من انفجار يقضي على ما تبقى منه، ثم التأكد مما إذا كان البيت قد تم تعفيشه، وإعادة الأثاث المعفش، كون التعفيش يتم داخلياً في هذه المرحلة، أي نقله إلى مستودعات، كون المدينة مغلقة في الفترة الحالية. بالطبع، ستمر مثل هذه العملية من تحت الطاولة، بعملية فساد منظمة في "غفلة" من سلطة الأمر الواقع على الأرض.

وتقول تقديرات قسد إن داعش زرع ثمانية آلاف لغم في المدينة، دون التحدث عن المعيار الذي أدى إلى استنتاج هذا الرقم. فيما استقرت التقديرات حول حجم البيوت المدمرة كلياً، والمدمرة جزئياً دون إمكانية توافر إصلاحها، على حوالي 50 في المئة، أي أننا نتحدث عن 50 ألف بيت (بافتراض عدد السكان 500 ألف ومتوسط عدد أفراد الأسرة خمسة أشخاص).

وفي هذه المرحلة، يمكن ألا تكون عملية استيعاب النازحين العائدين صعبة جداً، كون أعظم الأرقام المتداولة للذين نزحوا في الشهور الأخيرة 150 ألف مدني، ما يعني أنهم يحتاجون إلى 30 ألف منزل. وضمن الافتراضات السابقة لن تكون هنالك مشكلة كبيرة في الوقت القصير. بينما ستنشأ المشكلة إذا عاد النازحون من المدن التي يسيطر عليها النظام، من حماة واللاذقية وطرطوس ودمشق. عندها ستنشأ مشكلة تنازع على الأحقية في السكن في البيوت الخالية والسليمة التي لجأ أصحابها إلى أوروبا خاصة.

في كل الأحوال، ستكون عملية العودة صعبة على أبواب شتاء الرقة القاسي، إلا إذا لحظ المانحون حجم العمل والمال المطلوبين لتوفير المياه والكهرباء والاتصالات والخدمات البلدية، بالإضافة إلى توفير الطعام والدواء بعد سنوات من انسداد أبواب العمل أمام معظم الناس الذين لم يلجؤوا إلى دول الجوار وأوروبا، لكونهم فقراء إلى الدرجة التي لا يملكون فيها تكاليف تلك الرحلات.

هذا هو كل مضمون السياسة التي يهتم لها النازحون من الرقة، أمان ودفء بيت وماء وكهرباء وطعام، على أمل أن يحدث ذلك، فحتى القائمين على صناعة سياسة خاصة بالمدينة، من مجلس مدني، وقسد، والأمريكيون، لا يملكون سقفاً أعلى من ذلك