رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري.(أرشيف)
رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري.(أرشيف)
الثلاثاء 7 نوفمبر 2017 / 20:03

استقالة الحريري والاصطفاف المفترض

ليس حدثاً لبنانياً صرفاً ما تعنيه استقالة الحريري، بل هي نقلة نوعية ذات مغزى في اصطفاف تأخر كثيراً لكبح جماح التمدد المتواصل لإيران وحلفائها

لم يسبق لاستقالة رئيس وزراء في أي مكان من العالم، أن أحدثت وقعاً كالزلزال مثلما حصل مع استقالة سعد الحريري.

إنها دراما متكاملة في المكان والتوقيت والمحتوى والهدف، المكان هو المملكة العربية السعودية، ولذلك دلالة قوية في عملية الفرز على الساحة العربية ، بين الدول والأنظمة من جهة والاقتحام الإيراني من جهة أخرى.

فالسعودية صاحبة أقوى لغة عربية في التحذير من التمدد الإيراني في المنطقة، وهي في ذات الوقت أكثر الدول إطلاقاً في دعم لبنان ككيان وكمجتمع .

أما التوقيت الذي رآه البعض مبكراً ورآه بعض آخر متأخراً، فهو جاء في سياق الطريقة الخاصة التي يتعامل بها اللبنانيون مع مشاكلهم وخصوصاً تلك التي تصدر لهم من الخارج، والمضمون ينطوي على تحذير في غاية السخونة والالحاح، من خطر لم يعد يقف وراء الباب بل دخل إلى الحجرات، أما الهدف فهو محاولة جدية لإظهار الفرز ليس بالمواقف والبيانات وإنما بالسلوك والأمر هنا يعني الدول العربية جميعاً.

استقالة الحريري ونشوء أزمة قوية عنوانها لبنان، يفترض أن تكون بداية لاصطفاف واسع كي لا يتحول الادعاء الإيراني بالسيطرة على أربع عواصم عربية أمراً حقيقياً، ما يعني بالخلاصة وقوع باقي العواصم إن لم يكن تحت السيطرة المباشرة ، فتحت النفوذ، وما قيل عن النفوذ الإيراني في المغرب العربي البعي يُنبئ بذلك.

لبنان الذي ابتلي بكونه باروميتر الأزمات الشرق أوسطية، يشكل موضوعياً أحد أحجار الزاوية في الاصطفاف المفترض لمواجهة التمدد الإيراني.

لقد تسرع الإيرانيون في تحديد خلاصات من جانب واحد لما وصفوه بانتصاراتهم في سورية والعراق، ولولا انحسار الجغرافيا الحوثية في اليمن لأقاموا احتفالات بانتصاراتهم هناك.

معادلة لبنان أصعب بكثير من استسهال السيطرة عليه وادخاله في دائرة النفوذ الدائم للدولة الإيرانية، وقد تحمل تداعيات الأزمة اللبنانية فيما ستحمل مصاعب إضافية على الإيرانيين وامتداداتهم في لبنان، فهل بوسع حزب الله أن يخرج لبنان من ثقافته وتاريخه وانتمائه، ليضعه في مكان آخر، ثم ما هو النموذج المشرق الذي صنعه الإيرانيون وحزب الله ليفرض على لبنان ويقبل اللبنانيون به.

هنا يظهر خلط كبير وربما يكون قاتلاً ... فحزب الله كان ملك القلوب والعقول حين كان طليعة وواجهة المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، لم يكن اللبنانيون فقط من يرفعون صور حسن نصر الله ويصغون إلى خطبه النارية، بل كان كل العرب والمسلمين يفعلون ذلك، أما حين استدارت بندقية حزب الله وصارت جزءًا من الاستراتيجية المعلنة للسيطرة الإيرانية على العواصم العربية ـ فقد اختلف الأمر واختفت الصور من الشوارع والواجهات العربية، وحل محلها توجس من أن أي تدخل إيراني في أي مكان سيؤدي إلى واقع تشاهد فيه عدد من أهم الكيانات العربية مجرد ركام دون رؤية أي بصيص لغد أفضل.

ليس حدثاً لبنانياً صرفاً ما تعنيه استقالة الحريري، بل هي نقلة نوعية ذات مغزى في اصطفاف تأخر كثيراً لكبح جماح التمدد المتواصل لإيران وحلفائها.

وما يحدث في لبنان سنرى امتدادات له في سورية، وردود فعل في إسرائيل وحرجاً إضافياً لروسيا، فهل بوسع إيران احتواء ذلك كله وهي في خضم حرب مع أمريكا واحتمالات التعرض لعقوبات جديدة .

في خطابه الذي تلا استقالة الحريري أكد حسن نصر الله على انه لن يغير شيئاً من سياسته أي سياسة ايران، مع أن منطق الأشياء يحتم التوقف أمام الدلالات الراهنة والمستقبلية للاصطفاف الجديد، فمن يهضم هذا الاصطفاف ومن يمتلك إمكانيات حسم الصراع معه والذي يعني تغيير هوية منقطة من أهم مناطق العالم وشعب يعد بمئات الملايين.

هل يفكر الإيرانيون بصورة موضوعية ويطرقون أبواب العواصم ببرنامج حسن جوار واحترام متبادل للاستقلال والمصالح، أم يصدقون أنفسهم بأن لهم اربع عواصم ناجزة في جيبهم وبقية العواصم ستكون تحصيل حاصل، هم وحدهم من يجيب عن هذا السؤال ، فمغامرتهم كبيرة ومكلفة ولا ضمانة من ألا تكون نهايتها فادحة.