تماثيل في متحف لوفر أبوظبي.(أرشيف)
تماثيل في متحف لوفر أبوظبي.(أرشيف)
الجمعة 10 نوفمبر 2017 / 19:21

سعيد من وراء خاطرة

إنهم أولئك الذين أخبرونني أن تماثيل الصقور والإبل الصغيرة التي زيّنت والدتي بها غرفة جلوسنا هي عبارة عن أصنام محرمة

إنها جملة استهلالية أكتبها للتاريخ، لا لهذا المقال فحسب: لقد افتتُح متحف اللوفر في عاصمتنا أبوظبي.

للأسف، لم يتسنّ لي زيارته بعد، ولكن أعلم أنني حين سأفعل، فسأنشغل عما فيه لألتفت ذات اليمين وذات اليسار بحثاً عنهم. أعرفتموهم؟
إنهم أولئك الذين أقنعوني في صغري بأن الرسم جائز، ولكن شريطة أن يقيّد الفنان فرشاته بالمناظر الطبيعية. إنهم أولئك الذين جعلونني أخشى على مصير صديقتي حين يحشرنا الله إليه، فتجد أمامها آلاف الشخصيات الكرتونية من ذوات الأرواح التي كانت قد ابتدعتها على صفحات كتاب القراءة.

إنهم أولئك الذين أخبرونني أن تماثيل الصقور والإبل الصغيرة التي زيّنت والدتي بها غرفة جلوسنا هي عبارة عن أصنام محرمة، على الرغم من أني قد أقسمت أغلظ الأيمان آنذاك بأننا لم نعبدها قط. بل كان ليكون من المجدي أكثر أن نزيّن الدار بأصنام من العجوة، لنلتهمها متى ما تقاعسنا عن الطبخ.
فترت حماسة الشباب في داخلي، ولم أعد أتطلع إلى إقصاء هؤلاء من الحياة، أو القصاص من ضيق الأفق الذي حاولوا فرضه علينا.

أدرك اليوم أن راية الحرية التي أنضوي تحتها تسعهم كما تسعني.

ولهذا السبب بالضبط، كنت لأتمنى لو اتسقت هتافاتهم في هذه الأيام المباركة مع ما يتردد في رؤوسهم من معتقدات ووجهات نظر.
أنا لن أطلق تهم التناقض جزافاً عليهم بمجرد أن أجد المرء منهم يبارك ويهنئ بافتتاح اللوفر، أو يعجب لعظم الحدث. وعموماً، أكره أن يزل قلمي، فأرتكب خطيئة الخوض في النيات.

ولكن اعتدنا أن يتعامل هؤلاء مع إنجازات الأوطان كما لو كان التصفيق لها، والاحتفاء بها، فرض كفاية يؤدونه، فيُسقط عنه حقيقة مشيهم في الاتجاه المعاكس تماماً لهذا التطور والتقدم!

فهم يتشدقون أمام الملأ بتعيين الوزيرات والقاضيات، فيما يضعون حدوداً لعمل المرأة، مفضلين أصلاً حبسها بين الجدران الأربع. وهم يعددون بفخر كم الحريات الشخصية المكفولة إذ تسمح لهم بالعيش وفقاً لقناعاتهم، بينما لا يعارضون في ذات الجملة أن نُحدد للناس الألبسة التي يرتدونها، والأماكن التي يرتادونها، والسلوكيات التي يأتونها.

وعلى نطاق أصغر –وليس أقل أهمية- ها هم يثنون على افتتاح صرح كاللوفر، وكأنهم لم يكونوا ليتعوّذ بالله من إبداعاته وتحفه، أو كأنهم لا يختلفون جملة وتفصيلاً مع وصف إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، للمتحف بأنه رمز لمحاربة الظلامية، فأليسوا هم من لا زالوا يصرون على أن تحريم الفن وتجريمه والتضييق عليه ليس مرادفات للتطرف؟

والمحصلة؟ أن تُهدى الأوطان معلقات جوفاء، في حين كان هؤلاء قادرين على التعبير عن آرائهم الصادقة كيفما يودون، أو أن يلوذوا بالصمت –على الأقل-، وهو فرض عين واجب على من وجد الزمن يمضي بدونه.

لست أطالبهم بالسكوت، فشمس الحرية تطل علينا جميعاً. ولكن تراب الوطن أطهر من الكلمات المنمقة الخاوية.