عرض عسكري في طهران.(أرشيف)
عرض عسكري في طهران.(أرشيف)
الجمعة 10 نوفمبر 2017 / 19:17

إسقاط النظام الإيراني أم ردعه؟

الخلل هو خلل تراكمي امتد مثلما أشرت أعلاه إلى ما يقرب من أربعة عقود وتحديداً في ثلاث قضايا حيوية للغاية

لا يمكن وصف التعاطي الأمريكي في لجم إيران وطموحاتها الإقليمية في الهيمنة والتمدد إلا بـ"الفشل"، فمنذ نجاح الثورة الإسلامية في 1979 والإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي واستلام الخميني السلطة، كان شعار تصدير الثورة أحد ابرز شعارات النظام الجديد، وهو شعار استهدف وبشكل محدد العراق ودول الخليج العربي كمرحلة من المراحل. ومنذ ذلك التاريخ، تحولت إيران إلى نقيض سياسي لواشنطن ليس أكثر من ذلك، فعلى مدى أربعة عقود تقريباً (38 عاماً) وعبر سبع إدارات أمريكية متعاقبة (كارتر، ريغان، بوش، كلينتون، بوش الابن، أوباما وأخيراً دونالد ترامب) لم نسمع طوال تلك العقود الطويلة من تلك الإدارات المتعاقبة مصطلح "إسقاط النظام الإيراني أو الإطاحة به" على غرار ما جرى مع نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي لعب دوراً استراتيجياً وعلى مدى ثماني سنوات في ردع إيران وتحجيم دورها الإقليمي بالتعاون مع دول الخليج العربي والأردن ومصر (في الحرب العراقية – الإيرانية).

في إدارة كلينتون ابتدع سياسيو تلك الإدارة مصطلح "الاحتواء المزدوج" والذي كان يعني السيطرة على سلوك النظامين العراقي والإيراني، لكن الأمر عند التطبيق كان مختلفاً اختلافا كبيراً بين التعاطي مع نظام صدام حسين عن التعاطي مع النظام الإيراني، ففي التعاطي مع النظام العراقي السابق والذي كان يوصف بأنه نظام "لا يمكن إصلاحه" تم اعتماد خطة تفصيلية لدعم وتأهيل المعارضة داخل وخارج العراق للإطاحة بالنظام وهو ما تم عملياً في عهد بوش الابن عام 2003، أما في التعاطي مع إيران، فإنه ومنذ ذلك التاريخ أي منذ إطلاق نظرية "الاحتواء المزدوج " في تموز من 1993 والى اللحظة لم نسمع مصطلح الإطاحة بالنظام، وأقصى ما يقال هو "ردع أو تحجيم النظام" في الوقت الذي بات فيه النظام الإيراني يفاخر بأنه يسيطر على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت ويهدد البقية.

والسؤال المطروح بالتزامن مع الحماس الزائد لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ردع إيران ما هو الخلل في الاستراتيجية الأمريكية في ردع طهران؟

في محاولة الإجابة على هذا السؤال نجد أن الخلل هو خلل تراكمي امتد مثلما أشرت أعلاه إلى ما يقرب من أربعة عقود وتحديداً في ثلاث قضايا حيوية للغاية ألا وهي:

أولاً: الرخاوة المريبة التي اتبعتها واشنطن في احتواء إيران والسيطرة على سلوكها، وتحديداً في موضوعة التسليح والعقوبات الاقتصادية حيث بنت طهران منظومة متكاملة من العلاقات الاقتصادية مع الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي السابق وبخاصة مع جمهورية أوزبكستان، والتجاهل المتعمد للدور الإيراني في أفغانستان منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والى الآن وتحديداً زمن طالبان والقاعدة، وهو ما وفر لها هامشاً واسعاً وحيوياً للعب بالورقة الأمنية لدول الإقليم والمنطقة عبر التحالف السري مع تنظيم القاعدة قبل وبعد انهيار النظام العراقي السابق، وهو التحالف الذي مازال مستمراً مع تنظم الدولة الإسلامية وتفرعاته في العراق وسوريا.

ثانياً: الاستعجال غير المبرر في الإطاحة بالنظام العراقي السابق الذي فقد أية أمكانية في توليد أي نوع من المخاطر على جيرانه في الإقليم، وكان في الوقت نفسه ورغم هذه الوضعية يشكل نقطة توازن إستراتيجية في وجه النظام الإيراني وكان من بين أخطر نتائج هذا الاستعجال المقرون بغياب رؤية عميقة وإستراتيجية لمرحلة ما بعد صدام حسين والنظام البديل له هيمنة إيران على العراق وقطع صلاته مع محيطه العربي، والعبث بهويته القومية ومقدراته الوطنية وتحويلها إلى "مسخ " عبر عملية مبرمجة بدأت عام 2003 ومازالت مستمرة وهو ما يتطلب تدخلاً "جراحياً" أمريكياً بكل الأدوات الممكنة عسكرياً وسياسياً وأمنيا للبدء في تصويب المعادلة في العراق وبالتعاون مع الأردن والسعودية والإمارات ومصر.

ثالثاً: تجاهل واشنطن المريب للمعارضة الإيرانية وللحركات المناهضة للنظام الإيراني مثل حركة مجاهدي خلق أو المعارضة العربية في الأحواز وعدم تقديم الدعم العسكري والسياسي المطلوبين لها من أجل مجابهة النظام على غرار ما جرى مع المعارضة العراقية وبخاصة الشيعية منها التي جُلبت من الخارج وسُلمت الحكم وعاثت فساداً وتخلفاً في البلاد والعباد دون محاسبة أو مساءلة على الجرائم التي ارتكبتها بحق الأبرياء من العراقيين وبخاصة جرائم الحشد الشعبي ضد العراقيين السنة وعمليات التطهير الطائفي التي مورست بحقهم، وتغيير التركيبة الديمغرافية للمحافظات السنية ولمدينة بغداد بصورة خاصة.

من أجل انتهاج استراتيجية أمريكية وعربية ناجحة في مواجهة إيران يجب تصويب الأوضاع المشار إليها سابقاً، ورفع شعار إسقاط النظام في إيران بدلاً من ردعه لرفع الشرعية عنه وإعلان الحرب عليه وعلى أدواته في لبنان واليمن وسوريا وذلك ضمن خطة تفصيلية مدروسة بدقة.