الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.(أرشيف)
الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.(أرشيف)
الإثنين 13 نوفمبر 2017 / 19:49

مرة أخرى.. من قتل ياسر عرفات؟

يصعب التصديق أن النزوع إلى الكتمان مدفوع بمصلحة وطنية، ويستحيل القبول بهذا الاستهتار بالعقل الجمعي الفلسطيني، والرهان على نعمة النسيان وقدرة الزمن على محو الذاكرة الوطنية

مرت قبل أيام الذكرى الثالثة عشرة لرحيل ياسر عرفات، القائد الذي ترسخت سيرته وصورته في الوجدان الفلسطيني زعيماً وطنيا ترك رحيله فراغا يصعب ملؤه في فلسطين والمنطقة العربية برمتها. وقد أحيا الفلسطينيون هذه الذكرى بمهرجانات جماهيرية شاركت فيها جموع الأوفياء الذين عرفوه قائدا ومقاتلا وحافظا للعهد ورمزا لوحدتهم. لكن أحدا لم يفتح ملف الغياب الغامض، ليسأل عمن قتل عرفات؟ وكيف؟

سمعنا الكثير عن مسؤولية إسرائيل عن اغتيال القائد الفلسطيني، وكان طبيعيا أن توجه أصابع الاتهام إلى العدو الذي يتربص بكل فلسطيني حي على التراب المحتل أو في الشتات، وسمعنا أيضا عن تشكيل لجان للتحقيق في الاغتيال الغامض، وقيل لنا إن هذه اللجان ستعلن نتائج تحقيقاتها وتكشف للفلسطينيين كيف اغتيل رمزهم وزعيمهم الذي قاد نضالهم الوطني عقودا صعبة في الزمن المر، وسمعنا الكثير من الروايات غير الموثقة حول تفاصيل اغتيال الزعيم الذي صمد وظل يقاوم أعتى قوة بطش في المنطقة وهو محاصر في غرفة صغيرة نهشت جرافات الاحتلال جدرانها.

لكن أحداً لم يكشف السر، ولم يقل لنا من هو الذي وضع السم في دواء الزعيم أو في رغيفه الناشف في الحصار.

هل يعرف الفلسطينيون فعلاً من تآمر على عرفات وقتله؟ أم أنهم أوكلوا أمر البحث والكشف إلى غيرهم؟

وهل يمكن أن نصدق أن ثلاثة عشر عاما من التقصي والبحث لم تكن كافية لكشف السر ومعرفة الحقيقة؟ وهل عجز الأطباء الفرنسيون عن تحديد نوع السم الذي قتل عرفات؟ أم أن طرفاً أو أطرافاً طالبتهم بالكتمان وعدم البوح؟

صحيح أن إسرائيل مسؤولة عن اغتيال الزعيم الفلسطيني، وصحيح أيضا أنها لجأت إلى اغتياله بهذه الطريقة الجبانة لكي تتجنب ردود الفعل الفورية. لكن هناك من تعاون مع إسرائيل لتنفيذ الجريمة، وهناك من تواطأ أيضا، وهناك من استُرخِص ليؤدي دوراً حقيراً في هذه العملية السوداء.

كانت هناك خيانة، وكان هناك خائن أو خونة لا نعرف بعد من هم بالضبط؟ وهل تمت تصفيتهم ليموت معهم السر، أم تمت مكافأتهم على طريقة مكافأة جواسيس كثر ما زال بعضهم يتلقى راتبا شهريا من القيادة التي تقطع مخصصات أسر الشهداء.

في لقاء متلفز نقل بسام أبو شريف المستشار السابق للزعيم الشهيد عن عرفات قوله، وهو على سرير الموت في المستشفى، "خانوني، خانوني، خانوني"، لكن أبا شريف الذي أضاف في اللقاء ذاته أن لديه معلومات خاصة، لم يكشف لنا أسماء من قصدهم عرفات بقوله "خانوني".

يصعب التصديق أن النزوع إلى الكتمان مدفوع بمصلحة وطنية، ويستحيل القبول بهذا الاستهتار بالعقل الجمعي الفلسطيني، والرهان على نعمة النسيان وقدرة الزمن على محو الذاكرة الوطنية.

يعرف الرئيس الفلسطيني وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، ويعرف الفرنسيون والأمريكيون وأطراف في الإقليم، مثلما يعرف الإسرائيليون طبعاً من قتل ياسر عرفات ومن أصدر قرار اغتياله، ومن قرر طريقة تنفيذ الجريمة، ومن نفذها، وكيف نفذها، ومن تواطأ أو صمت في حينه.

لكن الفلسطينيين الذين لا تزال صورة عرفات تزين جدران بيوتهم لا يعرفون هذه التفاصيل، ومن حقهم أن يعرفوا لكي يطمئنوا إلى النتائج، ولكي يتبينوا كيف تمت معاملة المشاركين في الجريمة.

وأخيراً فإن ثلاثة عشر عاماً من الانتظار كافية جداً، وأطول كثيراً مما ينبغي للكشف عن قتلة عرفات الذي أثبت الفلسطينيون أنه لم يزل حياً في قلوبهم.
ربما يكون منطقياً أن ندعو العارفين بالخفايا وبنتائج التحقيقات أن يعلنوها الآن أو يتحملوا هم مسؤولية الجريمة.