رئيس زيمبابوي روبرت موغابي.(أرشيف)
رئيس زيمبابوي روبرت موغابي.(أرشيف)
الأربعاء 15 نوفمبر 2017 / 20:09

نظام ينبغي أن يسقط

حكم موغابي على مدى هذه الحقبة الطويلة كان آية في الفشل الذريع على الأصعدة جميعاً: انهيار اقتصاديّ، فساد فلكيّ، علاقات متردّية بدول العالم، أفكار رجعيّة بل خرافيّة في ما خصّ الجنس والأمراض

ليس واضحاً تماماً ما الذي حصل في زيمبابوي. الجنود انتشروا في عدّة مواقع في العاصمة هراري وسيطروا على الإذاعة الرسميّة وعلى التلفزيون. وإذ وجّه حزب زانو الحاكم اتّهاماً لقائد الجيش، الجنرال كونستانتينو شيوِنغا، بالخيانة، قالت السفارة الأمريكيّة في زيمبابوي إنّ السفير أمر موظّفيه بالبقاء في منازلهم "نظراً للغموض السياسيّ الحاليّ"، وسط تكهّنات بانقلاب. لكنّ التلفزيون الرسميّ بثّ بياناً ألقاه أحد كبار الضبّاط مفاده أنّ البلد لا يعيش انقلاباً عسكريّاً، وأنّ الرئيس روبرت موغابي وأسرته بخير. ما حصل، تبعاً للبيان، مجرّد "استهداف للمجرمين المحيطين بالرئيس".

قبل يوم واحد، كان قائد الجيش، الجنرال شيونغا، قد حذّر أولئك المسؤولين عن "تعقيم" الحزب الحاكم من أنّ الجيش قد يتدخّل إن لم يتوقّفوا عمّا يفعلونه. الجنرال الذي لم يُسمّ أحداً، ظهر في مؤتمره الصحافيّ محاطاً بـ 90 قياديّاً من العسكريّين للإيحاء بأنّ الجيش يقف وراءه.

هناك إذاً شيء ما يحصل في زيمبابوي، وفي ما يخصّ سلطتها تحديداً. السبب المباشر هو ما حصل قبل أسبوع على المؤتمر الصحافيّ المذكور: موغابي أزاح نائبه إيمرسون منانغاغوا الذي فرّ إلى المنفى. منانغاغوا ليس مجرّد مناضل قديم في الحزب الحاكم، بل كان يوصف أيضاً بأنّه المرشّح المحتمل لوراثة موغابي (93 عاماً) في سدّة الرئاسة. لكنْ يبدو أنّ ما أدّى إلى إزاحته المفاجئة طموح غرايس موغابي، زوجة موغابي، لوراثة زوجها. غرايس هاجمته بوصفه "أفعى... ينبغي أن تُضرب على رأسها". أمّا منانغاغوا فخاطب روبرت موغابي بقوله: حزب زانو "ليس ملكيّة شخصيّة لك ولزوجتك، تفعلان به ما تشاءان".

إذاً نحن أمام قصّة تقليديّة من قصص الاستبداد الممزوج بالعائليّة والفساد. فموغابي (مواليد 1924) هو رئيس حكومة زيمبابوي بين 1980 و1987، ثمّ رئيس جمهوريّتها منذ 1987 من دون انقطاع! تاريخ صعوده السياسيّ، كمناضل ضدّ العنصريّة، يبدأ في 1979 مع توقيع اتّفاقيّة "لانكستر هاوس" في لندن التي أعلنت نهاية حكم الأقلّيّة البيضاء في ما كان يُعرف بـ "روديسيا". منذ البداية، عمل على تحطيم خصومه السياسيّين وتوطيد سلطته كزعيم أوحد. أوّل ضحاياه وأبرزهم كان جوشوا نكومو النقابيّ والزعيم التاريخيّ للحركة الوطنيّة في روديسيا السابقة. ما نصره على نكومو، وعلى العكس من مزاعمه، ليس أنّه "تقدّميّ وماركسيّ لينينيّ" فيما الآخر "رجعيّ"، بل حقيقة انتمائه إلى قبائل الشونا الكبيرة قياساً بانتماء نكومو إلى النديبيلي الاصغر والأضعف. أحد أبرز ضحاياه الآخرين المعروفين كان النقابيّ المعارض مورغان تسفانغياري، رئيس "حركة التغيير الديمقراطيّ". لقد زوّر الانتخابات ضدّه غير مرّة، ثمّ اضطرّ إلى التعايش معه كرئيس للحكومة ما بين 2009 و2013، قبل أن يتخلّص من شراكته.

حكم موغابي على مدى هذه الحقبة الطويلة كان آية في الفشل الذريع على الأصعدة جميعاً: انهيار اقتصاديّ، فساد فلكيّ، علاقات متردّية بدول العالم، أفكار رجعيّة بل خرافيّة في ما خصّ الجنس والأمراض، عُظام هذيانيّ في عبادة شخصيّته وترويجها... كلّ هذا الهراء أمكنه أن يدوم عقداً بعد عقد بالاستناد إلى شرعيّة مقاومته للحكم العنصريّ حين كان شابّاً.

غنيّ عن القول إنّ دجلاً كهذا آن الأوان لأن يوضع له حدّ، وإنّ نظاماً كهذا آن الأوان لأن ينتهي. مقاومة العنصريّة والاستعمار لا تكفي لتبرير ما لا يقلّ سوءاً عن العنصريّة والاستعمار.