أجاثا كريستي.(أرشيف)
أجاثا كريستي.(أرشيف)
الأربعاء 15 نوفمبر 2017 / 20:16

اختفاء أجاثا كريستي

حظي سعيد فأنا متزوجة من رجل مهنته التنقيب، والبحث عن الآثار، كلما كبرت زاد اهتمامه بي. تعليق غريب من امرأة، تشفعه سخرية باردة

أول رواية قرأتها لها، هي "جثة في مكتبة". على ظهر الرواية مكتوب: الآنسة ماربل، هاوية اكتشاف جرائم، تُطلب منها المساعدة مجاناً. استنجدتْ بها صديقة، حيث عثر الخدم عند الصديقة، على جثة فتاة شقراء، مخنوقة بثياب السهرة في مكتبة البيت. ما من امرأة شغلتْ نفسها بالجرائم مثل أجاثا كريستي (1890- 1976). كانت طويلة القامة، قوية البنية، ممتلئة. نالتْ شهرتها سنة 1926 بروايتها "مقتل روجر آكرويد". لا يزعجها مرور السنوات.

تقول: إن حظي سعيد فأنا متزوجة من رجل مهنته التنقيب، والبحث عن الآثار، كلما كبرت زاد اهتمامه بي. تعليق غريب من امرأة، تشفعه سخرية باردة. كانت أجاثا تخاف من الأضواء الساطعة، حتى بالنسبة لأولئك الذين يرتبطون بها في المهنة، فالناشر الفرنسي الخاص بها، كان عليه أن ينتظر مدة خمسة وعشرين عاماً، كي يراها. زواجها الثاني كان من الرجل الشهير ماكس مالوان البروفسور في علم الآثار بجامعة لندن. صحبته أجاثا لعدة شهور في السنة، إلى العراق، شمال بغداد. وحيث يقوم زوجها بالتنقيب، كانت هي تساعده أحياناً، وتطهو الطعام للعاملين معه، وسط إعجابهم ببراعتها في الطبخ. وبشغف كانت تقوم بتأليف رواياتها داخل خيمة في وسط الصحراء. روايتها "جريمة في بلاد الرافدين" 1936. تقول عن مناخ كتابتها: هناك حيث لا وجود للتليفونات والمسارح والضيوف غير المُنْتَظَرين. عادة تسكن أجاثا في لندن، في والينغفورد، بالقرب من التايمز، وفي بيت آخر قديم، بالقرب من ديتيشام في منطقة ديفو نشاير. في الثلاثينيات كانت تملك ثمانية بيوت. التكاليف لا تهمها، فهي تتقاضى الكثير من المال. المهم أن تُنتج روايتين في العام الواحد. في الحمَّام تأتيها أفضل الأفكار، وفي جميع بيوتها كان الحمَّام الكبير بالبانيو أمراً ضرورياً جداً.

في الأيام العشرة الأخيرة قبل البدء في الكتابة، تحتاج أجاثا كريستي إلى تركيز مُحكم. عليها أن تظل وحدها دون ضيوف، دون تليفونات، دون رسائل. تستطيع أن تُنهي القصة خلال ثلاثة شهور. تفخر بقدرتها على استخدام ثمانية أصابع، وهي تنقر على الآلة الكاتبة، بينما الكثير من الكُتَّاب ينقرون بإصبعين مثل العَجَزَة. كانت أجاثا تضحك من قصة الأصابع، وفكَّرتْ مراراً في جريمة تخدم مَشْهَداً ذهبياً، ماستر سين. الآنسة ماربل الحيية، اللطيفة، نصف العجوز، تلاحظ أن الكاتب جارها، كان يكتب بإصبعين فقط على الآلة الكاتبة عند زيارتها له مع المحقق هيركيول بوارو، الأنيق إلى حد الحفْلطة، وكان الكاتب، يتهرَّب بالعمل من أسئلة وتدقيقات بوارو عن زوجته المنتحرة، كما أبلغ الكاتب عن انتحارها. الآنسة ماربل بعد الزيارة، أكَّدتْ لبوارو، وهي تبتسم هرباً من غزل بوارو العفيف، لقبعتها الجديدة، أنها رأتْ جارها الكاتب، قبل ذلك، يكتب بثمانية أصابع، ثم تابعتْ: لعله يشعر بألم في إصبعين أو ثلاثة في يده اليمنى أو اليسرى، بسبب حادث ما. ضحكتْ أجاثا مرة أخرى للصحفي، وقالتْ: كل مَنْ يكتب على الآلة الكاتبة بإصبعين فقط، فهو يُخفي شيئاً.

في عام 1926 كانت أجاثا كريستي في السادسة والثلاثين من عمرها، وبعد أحدث إصداراتها رواية "مقتل روجر آكرويد"، اختفتْ أجاثا كريستي، فقامتْ الشرطة بالبحث عنها، والصحف كانت تُجري مُقابلات مع أشهر مؤلفي الروايات البوليسية مثل إدجار والاس، ودوروثي سايرز، مقابل المال الكثير. دورة رأس المال. كان الجميع مُثاراً وسعيداً في الخفاء بهذا التدوير للحكاية. القارئ، وصاحب الصحيفة، والمؤلف الذي يتوقع مصير أجاثا كريستي.

 الجميع في سعادة غامرة غير مُعْلَنَة. استخدمتْ الشرطة، الطائرات، والكلاب البوليسية، و15 ألف متطوعاً، في البحث عن أجاثا كريستي، وسط الغابات. تم العثور على سيارتها في إحدى الضواحي. واتضح أخيراً أنها كانت تُقيم في أحد الفنادق باسم مُستعار، وتتمتع براحة كاملة، وترقص أحياناً في الليل مع أعضاء الفرقة الموسيقية التابعة للفندق. وبعد أكثر من أسبوع، ظهرتْ أجاثا، وصرَّحتْ للشرطة بأنها تعاني من فقدان الذاكرة. الأطباء فحصوا أجاثا، وصدقوا روايتها، صدقوا الفيلم الهندي، ربما حتى لا يُجْهَض مولود الأسطورة، وربما نالهم من دورة رأس المال، بعض الشهرة، بعض المال. هناك مَنْ صدَّق أن الحادثة مجرد دعاية لرواية "مقتل روجر آكرويد"، وهي الرواية السابعة في أعمالها الروائية. الكتَّاب الروائيون البوليسيون الأقل شهرة، والذين لم تُجر معهم أثناء اختفاء أجاثا كريستي، مُقابلات صحفية، لإعطاء توقعاتهم، هاجموا أجاثا بشدة، وتمحَّكوا في ضرورة احترام عقل القارئ. أمّا القارئ الأبله، البسيط، الخَفَّافي، عبد التسلية والإثارة، فقد حقق لرواية "مقتل روجر آكرويد"، رقماً قياسياً، واعْتُبِرَت من أنجح الروايات البوليسية، وقرأها كوكب الأرض، والكواكب السيارة، وحُمِلتْ في كبسولة إلى مركز مجرة درب التبانة.