صورة لدردشة على صفحة السويد عربي.(أرشيف)
صورة لدردشة على صفحة السويد عربي.(أرشيف)
الجمعة 17 نوفمبر 2017 / 20:11

صواريخ عابرة للقارات

السويد بالعربية، النرويج بالعربية، اليابان بالعربي -ولا أدري إن كان هناك المزيد منها-. حسابات تشهد أمام الله والزمن على أننا أمة أضاعت بوصلة الصدق، بل ألغته من الاتجاهات الأربع

تخيّل كمية البؤس في أن تُنشئ حساباً في مواقع التواصل الاجتماعي، فلا يشغلك طوال اليوم سوى أن تنفي وتستنكر وتدحض وتبرأ من الأكاذيب.

السويد بالعربية، النرويج بالعربية، اليابان بالعربي -ولا أدري إن كان هناك المزيد منها-. حسابات تشهد أمام الله والزمن على أننا أمة أضاعت بوصلة الصدق، بل ألغته من الاتجاهات الأربع.

فإننا نؤلّف عنهم الأكاذيب المشينة التي لا يصدقها عقل الطفل، حتى كدنا نقول إن الانتحار بات إلزامياً على مواطني تلك الدول. إننا نتجنى على أساليب حياتهم وقيمهم، ونرحّب بأي ظاهرة سلبية نجدها في مجتمعاتهم، كمعاداة السامية والتحيّز ضد المرأة. وإذا ما أشرنا إلى أحد مثالبهم، فنُذيّل تعليقنا بعبارة "الحمد لله على نعمة الإسلام".

أما حين ننخرط في جلد الذات والانهزامية، فلا بد وأن ننصبهم مجدداً رمي لسهامنا. إننا حينها نضعهم في فلك من المثالية ليسبحوا فيه وحدهم، ولا دليل على ذلك أصدق من عبارة "كوكب اليابان" التي نرددها لوصف البلد الآسيوي. ولا نخجل من التمادي والمبالغة، حتى باتت المستشارة آنجيلا ميركل بحاجة إلى حساب يختص بصد وحولنا عن حللها الأنيقة!

وبالطبع، حين نوغل في المدح والثناء فذلك ليس دليلاً على اعترافنا لهم بأي فضل. بل إننا نقلب الطاولة عليهم، ونذكرهم بأن ما يعيشونه هو مجرد "إسلام بلا مسلمين"، ليغصوا بلقمة الإعجاب التي وضعناها في أفواههم.

كل ذلك قد اضطرهم إلى "نزول الميدان"، ومبارزة الحجة بالحُجة، والأكذوبة بالحقيقة، والفبركة بالوقائع، وكفى بذلك من عار سيلحق بنا عبر ذاكرة الإنترنت الأزلية.

ولكن ما هو أعظم من خجلي وإحراجي مع كل رد "يُفحمنا" به عرب السويد أو النرويج أو بلاد الواق الواق، فهي قناعتي بأننا لم نضر سوى أنفسنا.

وجود هذه الحسابات يعني بشكل أو بآخر أننا كنا نراقبهم، ونتحدث عنهم، ونستعجب منهم، ونقوم بمقارنة أنفسنا بهم. وهذا وحده ما يجعل انشغالنا بتلويث الصورة الجميلة التي التقطناها، أو إضفاء التفاصيل الخيالية عليها، مدعاة حقيقية للأسى.

فلا يهم أن نقتدي بالنظام التعليمي الذي يضع ألمانيا بجوار أفضل 10 أنظمة تعليمية في العالم. حسبنا أن نهز رؤوسنا انبهاراً بأقاويل تزعم بأن معلميها يتقاضون رواتب تفوق رواتب الوزراء.

ولا تعنينا كثيراً الثقافة التي رسّخت احترام المرافق العامة والمحافظة عليها لدى اليابانيين، طالما أننا خلقنا أسطورة تافهة حول عامل النظافة لديهم الذي يُدعى "مُهندس النظافة". ولن تجد مثالاً أشد إثارة للشفقة من هذا على ولعنا الفارغ بالألقاب الرنانة!

أمام هذا العته، لم يعد يكفي أن ننتظر من نرويجي أشقر ما –أو هكذا أتخيله- أن يدحر الأكاذيب المتحلقة بيننا وبينهم، حتى تلك التي نتصورها إيجابية وردية، تقوم بتحفيزنا وتشجيعنا. علينا أن ننزل إلى "الميدان" بأنفسنا، فنحرر من الأوهام عقولنا المتعطشة في الواقع إلى الاستزادة من تجارب الآخرين.