الأحد 19 نوفمبر 2017 / 08:41

الخطاب القطري وتزييف الوعي

د.سالم حميد- الاحاد

تواصل قطر بدفعٍ من تنظيم الحمدين تزييف الوعي وتغييب الحكمة من خلال الإصرار على ترويج منطق أحادي لأزمة الدوحة مع محيطها الخليجي، ويلاحظ أن وسائل إعلام قطر تورطت منذ بداية الأزمة في سرد رواية زائفة لما يدور، لذلك نجدها منشغلة بالحفاظ على روايتها المتخيلة لكي لا يكتشف القطريون حقيقة ما جرى ويجري بهدف عزلهم عن جيرانهم، والأداة الوحيدة لدى تنظيم الحمدين لمواصلة اختطاف القرار القطري هي وسائل الإعلام والخطابات الرسمية الموجهة للداخل أكثر من الخارج، لأن الخارج يعرف حقيقة قطر التي يقلق المتحكمون بسياستها من انكشاف أساليبهم أمام الشعب القطري، لذلك يستهدفونه كل يوم بالحملات الإعلامية التي تضع الجيران في خانة الأعداء، بينما نعلم أن من يصر على القطيعة واستمرار الأزمة هو الطرف القطري الذي يفضل التقارب مع إيران ويفضل حماية وإيواء الإرهابيين ويرفض مناقشة المطالب المشروعة التي تحمي أمن وسيادة الخليج كوحدة متكاملة.

وفيما تواصل دول الخليج التعاطي مع هذه الإشكالية بعقلانية رغم إدراكها خطورة عبث السياسة القطرية، فإن ردود أفعال الدوحة لم تتوقف عن الاعتماد على التسويق الفاشل لصورة وهمية عن الأزمة، تقوم على الخلط بين الشكوى المريرة من المقاطعة وبين ادعاء النجاحات والجاهزية للبقاء خارج الدائرة الخليجية في الوقت ذاته!

أحدث المواقف القطرية المضطربة وغير الرشيدة كعادتها، جاءت قبل أيام على لسان أمير قطر في خطابه المهزوز أمام ما يسمى مجلس الشورى القطري، ذلك الخطاب الذي حمل من التناقضات ما يثير الشفقة على الحال الذي وصلت إليه الدوحة، في ظل تزايد احتياجها لترقيع عنادها بالمزيد من التضليل والادعاءات الباطلة.

ولا شك أن تميم قرأ في خطابه الأخير السطور التي كتبها له من يخدعونه وينصحونه بالبقاء في خانة الشعور بالعظمة الزائفة، وتكاد قصة النفخة القطرية تتلخص في الشعور ذاته الذي كان يتلبس القذافي إلى أن رحل، وهو يعيش ذلك الوهم الذي سيطر عليه وأعاقه عن مواجهة حقائق الواقع كما هي.

وفي خطاب تميم المكرر الذي يؤكد عمق أزمة قطر الداخلية، نكتشف أن الدوحة تشعر بالعزلة أكثر من أي وقت مضى، لذلك تحاول على لسان أميرها نفي ذلك الشعور من خلال الادعاء بأنها في عنفوان قوتها، ورغم ذلك تتسرب من بين عبارات الخطاب المصطنع كلمات تكشف حجم العزلة القطرية، وأبسط دليل على أن العزلة ليست في صالح قطر وأنها أوجعتها، ما ورد في خطاب تميم من خلط بين الشكوى من المقاطعة وبين ادعاء المقدرة على تجاوز آثارها، وكانت الحكمة تقتضي من القيادة القطرية عدم التورط في معاداة الجيران، وبالتالي تجنيب قطر وشعبها آثار وتداعيات الأزمة الراهنة.

ومن البكائيات المملة التي تكررها قطر باستمرار الحديث عن استهداف استضافتها المزمعة للمونديال، مما يثبت أن هذا الحدث أكبر من الدوحة، لأن أبسط رد فعل مفترض لإثبات أحقيتها ومقدرتها على تنظيم هذا الحدث هو المزيد من الثقة بالذات وليس ترديد الشكاوى.

وإجمالاً كان الخطاب الأخير لأمير قطر دعائياً بامتياز، ويبدو أن استحقاقات قطرية داخلية تتفاعل وتغلي على نار الأزمة مع دول الإقليم، هي التي دفعت تميم إلى اختلاق مناسبة لخطابه الموجه للقطريين بغرض خلق فرصة أخيرة لقيادة فاشلة داخلياً وخارجياً، ومنبع الفشل وأساسه أن القيادة القطرية الحالية لا تزال خاضعة لتنظيم الحمدين وتريد التضحية بمصلحة القطريين لأجل تنفيذ أجندة خاصة بالإسلام السياسي.

لذلك حفل خطاب تميم بمغالطات عديدة كان القصد منها استدرار تعاطف القطريين واستمرار تجهيل الرأي العام حتى لا يعرف أن عناد تنظيم الحمدين هو السبب الأول وراء إطالة أمد الأزمة، ومن التحريض ضد دول الإقليم انتقل تميم في خطابه إلى التهديد الضمني بقدرة قطر على التكيف مع حالة العزلة التي صنعتها لنفسها، وحاول إقناع القطريين بأن دول الإقليم تستهدف قطر من دون أسباب! وتجاهل أسباب الخلاف ولم يتطرق للمطالب التي وضعت كشرط لانتهاء المقاطعة التي اتخذتها دول الخليج كإجراء مشروع لحماية أمنها وسيادتها.

وعندما تأتي المغالطات على لسان من يفترض أنه الرجل الأول في هرم الحكم ماذا يمكن أن نتوقع من وسائل إعلامه وملحقاتها المستوردة؟