متجر في أربيل لبيع أعلام كردية وصور لمسعود البارزاني.(أرشيف)
متجر في أربيل لبيع أعلام كردية وصور لمسعود البارزاني.(أرشيف)
الأحد 19 نوفمبر 2017 / 13:09

لماذا دعمت إسرائيل انفصال كردستان؟

لفت الباحث آرى هيستين، المساعد الخاص لمدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إلى أن إسرائيل كانت ترى في إقليم كردستان المستقل حليفاً إستراتيجياً محتملاً يحقق لها الكثير من المكاسب؛ ولذلك كانت وحدها تدعم استفتاء انفصاله عن العراق خلال سبتمبر (أيلول) الماضي رغم معارضة دول العالم والمنطقة لقرار الاستفتاء.

تخلي واشنطن مجدداً عن حلفائها الأكراد وإخفاقها في التوسط في صراع عسكري وشيك بين اثنين من حلفائها من شأنه أن يشوه سمعتها بين الأصدقاء والأعداء على حد سواء

ويشير هيستين، في مقال نشرته مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، أن مسعود البارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان قد أخطأ في اتخاذ القرار بإجراء التصويت على استفتاء الانفصال عن العراق؛ إذ بالغ الأكراد في تقدير الدعم الأمريكي لحركة استقلالهم ووحدتهم الداخلية، فضلاً عن الاستهانة في الوقت نفسه بإجماع المجتمع الدولي على معارضة استقلال الأكراد.

أربيل تدفع الثمن
ويقول الباحث: "تدفع أربيل الآن ثمن هذا الخطأ؛ حيث استعادت الحكومة الفيدرالية العراقية الكثير من الأراضي المتنازع عليها التي سيطرت عليها قوات البشمركة منذ 2014 وأغلقت المجال الجوي لكردستان العراق، وعلى الأرجح ستعاني إسرائيل أيضاً من تداعيات سلبية نتيجة محاولة الأكراد الفاشلة للاستقلال، فهل ارتكبت إسرائيل خطأ استراتيجياً بدعم أجندة البارزاني الانفصالية؟".

خطيئة البارزاني
ويستفيد كل من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب جوران، منافسي الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني، من خطأ الأخير والأزمة التي تلت ذلك، وهما أكثر توجهاً نحو إيران وضد إسرائيل. وربما يقود صعود القوات الموالية لإيران في بيئة حليفة في السابق إلى صعوبة استخدام إسرائيل لإقليم كردستان العراق في جمع المعلومات الإستخباراتية. وعلاوة على ذلك فإن نفوذ الولايات المتحدة سوف يتراجع على الأرجح نتيجة المواجهات العراقية الكردية، حيث أن تخلي واشنطن مجدداً عن حلفائها الأكراد وإخفاقها في التوسط في صراع عسكري وشيك بين اثنين من حلفائها من شأنه أن يشوه سمعتها بين الأصدقاء والأعداء على حد سواء.

خطأ إسرائيل
ويقول الباحث: "إن مصلحة الولايات المتحدة هي من مصلحة إسرائيل؛ إذ تستفيد الأخيرة من تزايد ردع أعدائها انطلاقاً من علاقاتها مع الولايات المتحدة، وعندما تهتز المكانة الأمريكية في المنطقة فإن مثل هذا التطور سيكون له انعكاسات سلبية على إسرائيل والولايات المتحدة. ولكن إعلان إسرائيل دعمها للاستقلال الكردي لم يكن عاملاً مهماً في قرار أربيل بإجراء الاستفتاء".

وفي ضوء سياسات واشنطن إزاء وجود إيران في سوريا وعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، أخطأت إسرائيل، بحسب المقال، في تقدير قدرتها على التأثير في السياسة الخارجية الأمريكية، وحتى على القضايا ذات الأهمية الحاسمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويعتبر الباحث أن الأكراد كانت لديهم عدة أسباب مقنعة للتحرك نحو الاستقلال في ذلك التوقيت، في مقدمتها اعتقادهم بأنهم سوف يحصلون على دعم الولايات المتحدة قبل انسحاب واشنطن من العراق، وكذلك جذب الانتباه بعيداً عن المشاكل الاقتصادية والسياسية المحلية، وتطلع البارزاني إلى إرث قبل التخلي عن الرئاسة، وكلها أسباب محورية بالنسبة لمصالح حكومة إقليم كردستان وكان لها تأثير على قرار بارزاني أكبر من مجرد احتمال دعم إسرائيل لانفصال كردستان.

حليف إستراتيجي محتمل
وينوه الباحث أن دعم إسرائيل للاستقلال الكردي كان يراهن على كثير من المكاسب؛ فعلى رغم أن الاستقلال الكردي في حد ذاته لا يُعد تطوراً إيجابياً بالنسبة إلى إسرائيل، فإنه كان يخلق احتمالية نشوء حليف إستراتيجي، ومن شأن وجود حليف قوي على طول الحدود الإيرانية والتركية أن يوفر لإسرائيل منبراً لموازنة استراتيجيات طهران وأنقرة التي تسعى إلى الضغط على إسرائيل من خلال التحالف مع كيانات معادية على حدودها.

ويضيف الباحث أن الأكراد، على عكس البلدان الأخرى في المنطقة، لا ينشغلون بالقضية الفلسطينية، ومن ثم فإن العلاقة المحتملة بين إسرائيل وأربيل لن تكون قاصرة على السلام البارد، وبالطبع لا ضمان لنجاح هذه العلاقة بين إسرائيل وكردستان إذا حققت الأخيرة الاستقلال بدعم إسرائيلي، ولكن حقيقة أن إسرائيل كانت الصوت الوحيد الداعم لاستقلال الأكراد من شأنها أن تزيد احتمالية نجاح العلاقة بين الطرفين.

الرهان على البارزاني

ويرى الباحث أن أكبر مخاطرة لإسرائيل من دعمها لاستقلال الأكراد تمثلت في أن موقفها يتعارض مع دعم الولايات المتحدة للحفاظ على وحدة العراق، وقد التزمت واشنطن بمئات المليارات من الدولارات بالفعل لتحقيق ذلك، ولكن قضية دعم العبادي بدلاً من البارزاني لم يتم التوافق عليها بالاجماع في واشنطن، حتى أن أحد كبار المسؤولين الجمهوريين مثل السناتور جون ماكين كان يدعم الأكراد، ولذلك من الصعب أن تنزعج واشنطن من إسرائيل لدعمها للأكراد. وعلاوة على ذلك، فإن واشنطن كانت تستهدف من تأجيل التطلعات الكردية تجنب الصدام بين بغداد وأربيل.

ويخلص الباحث إلى أن إسرائيل لم تكن عاملاً مهماً في قرار الأكراد بالمضي قدما في الاستفتاء على الانفصال، فهي ليست قوة عالمية ولا حدود مشتركة لها مع إقليم كردستان العراق، وليس لها علاقات تجارية مع كردستان مثل تركيا وإيران، ولكن إسرائيل كانت على حق في الرهان على البارزاني بسبب المكاسب الكثيرة للتحالف المحتمل بين إسرائيل وأربيل.