(أرشيف)
(أرشيف)
الإثنين 20 نوفمبر 2017 / 10:44

النظام الإيراني.. وإدارة الأزمة بالأزمات

الأهرام - محمد عبدالمقصود

عقد مجلس وزراء الخارجية العرب اجتماعه الطارئ بالقاهرة أمس بناء على طلب المملكة العربية السعودية حيث أعربوا عن رفضهم للسياسات والممارسات الإيرانية وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية، وذلك عقب توافق وزراء خارجية الرباعية العربية (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) على ضرورة التصدي للتدخلات الإيرانية التي تشكل تهديداً للأمن القومي العربي، والتي تتخذ أشكالاً متعددة لمحاولة فرض سيطرتها ونفوذها على هذه الدول، وإيجاد دور مؤثر لها في ترتيبات أمن منطقة الخليج العربي، في ظل استخدامها ورقة الأقليات الشيعية بالدول العربية للتأثير على استقرار أنظمة الحكم بها عن طريق إثارة المشكلات والنزاعات العرقية المبنية على الطائفية، مع محاولة نشر الفكر الشيعي كفكر منافس للمذاهب السنية، وعدم إخفاء أطماعها بالمشاركة في إدارة الأماكن الاسلامية المقدسة بالسعودية (الحرمين الشريفين) من خلال إثارة القلاقل في أثناء مواسم الحج، وهو ما أوضحته دعوتها بالتضامن مع تركيا إلى تدويل المشاعر المقدسة بعد حادث التدافع بين الحجاج في موسم حج عام 2015، في نفس الوقت الذي بدأ فيه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي قدم استقالته من منصبه في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي احتجاجاً على أنشطة كل من إيران وحزب الله الرامية للتأثير على توازنات القوي الداخلية المبنية على تركيبة طائفية (سنة، وشيعة، ومسيحيين موارنة) جولة أوروبية تشمل كلاً من باريس ولندن وبروكسل وأنقرة وروما وبرلين لحث قادة الدول الأوروبية على تبني موقف رافض لسياسات طهران المزعزعة لاستقرار الإقليم.

وتأتي تلك التطورات في ظل استمرار التدخل السلبي الإيراني في كل من العراق، واليمن، وسوريا، لاسيما مع انتقال صيغة التدخل العسكري لمكافحة الإرهاب في العراق إلى المطالبة بالمشاركة في الترتيبات السياسية والأمنية في عراق ما بعد داعش وهو ما أثار مخاوف الدول السنية من ترسيخ البعد الطائفي في العراق، لاسيما مع إطلاق النظام الإيراني يد الحرس الثوري في مناصرة القوي والتيارات الشيعية بالمنطقة، واعتباره إحدى أدوات السياسة الخارجية الإيرانية من ناحية، وقرب انتهاء المهلة الزمنية التي منحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه للكونغرس يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 (تستمر شهرين) للنظر في الخطوات الواجب اتخاذها لإجبار إيران على التوقف عن زعزعة استقرار الإقليم، ومنعها من توظيف أدواتها شبه العسكرية (قوات الحرس الثوري ـ حزب الله اللبناني ـ العناصر والجماعات المتطرفة الداعمة لها تقليدياً بالمنطقة..) لتمديد نفوذها، وسيطرتها على دول الإقليم من ناحية أخري، وبما ينذر بتزايد احتمالات التصعيد المتبادل بين الدول العربية وإيران على خلفية إصرار طهران على توظيف وسائل إعلامها للترويج لوجود مؤامرة تشارك بها كل من السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل التي تشعر بالقلق تجاه تحركات إيران وأنشطتها على الساحة السورية، خاصة بمنطقة الجنوب القريبة من هضبة الجولان المحتلة.

والحقيقة أن النظام الإيراني يسعي لاستباق أي قرار أمريكي مناوئ لطهران، سواء بإعادة فتح الاتفاق بين إيران ومجموعة (5+1)، أو تصعيد الإجراءات العقابية، سواء ضدها مباشرة، أو ضد القوي الموالية لها بالمنطقة للحيلولة دون استكمال بناء الهلال الشيعي الذي يمكنها من السيطرة على شرق البحر المتوسط وجنوب البحر الأحمر ، باتخاذ خطوات عملية لتدعيم القوي الموالية لها (حزب الله ــ حماس ــ الجهاد الإسلامي الفلسطيني ــ الحوثيين..) بهدف استخدامهم حال تعرضها لضغوط خارجية، وبما يخدم إجراءات طهران التصعيدية في مواجهة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصة أنها تضع استقالة الحريري في اطار مساعيه لنزع الشرعية السياسية عن حزب الله المشارك في الحكومة، واعتباره نقطة انطلاق لإجراءات عسكرية ضد حزب الله للقضاء على قدراته الصاروخية التي تشكل تهديداً لأمن إسرائيل، في ظل محدودية تأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر الماضي لتقويض الموارد المالية للحزب وشبكة المتعاملين معه داخل لبنان وخارجها.

كنا نتمنى أن يحسن النظام الإيراني قراءة معطيات الأوضاع السائدة في الإقليم ويعمل على التوصل لتوافق مع الجانب العربي بشأن المصالح المشتركة بالمنطقة لتعزيز استقرار العلاقات بين الدول العربية وإيران، والتفاهم حول الأسس التي تضمن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والحفاظ على أمن هذه الدول خاصة مملكة البحرين، وبما يحول دون الاعتماد على الأدوار الأجنبية التي تلعبها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى (روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) والتي تسعي لتقاسم النفوذ والسيطرة على دول الإقليم، إلا أن التطورات الراهنة تشير إلى اعتزام النظام الإيراني إدارة أزمته مع الولايات المتحدة بإثارة العديد من الأزمات التي تسهم في زعزعة استقرار الإقليم من خلال تشجيعها القوي الموالية لها على دعم استراتيجيتها للتصعيد والدخول في مواجهة غير مباشرة مع كل من واشنطن والرياض وتل أبيب على الساحتين السورية واللبنانية، فضلاً عن تهديد استقرار الجبهة الداخلية في إسرائيل، وذلك في إطار ما يطلق عليه الحرب بالوكالة، والتي سيكون من شأنها إشعال مزيد من التوترات، وتهيئة المجال لتصاعد أنشطة التطرف والإرهاب في المنطقة خلال المرحلة القادمة.

وبالنظر إلى المخاطر والتهديدات التي يمكن أن ترتبها الأنشطة الإيرانية غير المحسوبة على دول المنطقة، فمن الضروري الحفاظ على صلابة موقف الرباعية العربية وتطوير دورها لتفعيل قرارات المجلس الطارئ لوزراء الخارجية وفق رؤية موحدة تراعي الحد الأدنى من المطالب العربية الرامية للحد من تدخل الدول الإقليمية غير العربية ( إيران ــ تركيا ــ إسرائيل...) في شؤون دول الإقليم، مع تحذير الدول العربية من الانخراط في تحالفات مع أي منهم، لتفادي التورط في حروب لا تخدم أمنها القومي أو مصالحها الاستراتيجية، بالتوازي مع العمل على تحصين الجبهة الداخلية في الدول العربية من خلال بلورة استراتيجية إعلامية تشارك بها مختلف وسائل الإعلام العربية لمواجهة الغزو الفكري والثقافي الشيعي والتركي، واستمرار المحافظة على الهوية الثقافية العربية والسنية المعتدلة لتحقيق التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية لشعوب المنطقة العربية.