جندي كورية جنوبية في المنطقة الحدودية .(أرشيف)
جندي كورية جنوبية في المنطقة الحدودية .(أرشيف)
الجمعة 24 نوفمبر 2017 / 19:16

كفانا الله شرّ الضحك

نضحك ملء شدقينا على خرافات رجال الدين، بمصابيحهم التي تضيء دونما تيار كهربائي، واتصالاتهم الهاتفية مع سكّان القبور من آل البيت والصحابة. نضحك على جرأتهم حين يزعمون القدرة على تحرير المُقعد من كرسيه المتحرك، والعاقر من عقمها

كنت أشاهد الفيديو المروّع الذي سجّلته كاميرات المراقبة لمغامرة فرار جندي كوري شمالي إلى الجارة الجنوبية، بدءاً بحين قاد السيارة الخاصة بالجيش رافضاً كبح الفرامل عند نقطة التفتيش الأخيرة، وانتهاء باللحظة التي ألقى بنفسه فيها عبر الحدود إلى حيث الأمان.

ورغم مرارة الموت المحدّق به، لقد فوجئت بنفسي أضحك -نعم، أضحك!- حينما كان هذا الجندي الفدائي يتعرض لوابل عنيف من الرصاص من قبل رفاقه السابقين الذين يقفون على بعد أمتار قليلة فحسب منه، ولكنه لم يتراجع لحظة عن مخططه. لقد واصل شق طريقه، حتى سقط جريحاً أمام أنظارهم.

بالطبع، لم أضحك سخرية واستهزاء؛ كانت ضحكات من عدم التصديق والتعجّب. ولكني وجدتها أشبه بتلك التي كنت أطلقها في صغري عند استماتة جيري في الفرار من سكة الحديد التي قيّده فيها توم، فقط لأخفي هلعي الداخلي من أن يتعرّض الفأر للأذى.

إنّ علماء السيكولوجيا أقدر وأبلغ مني في شرح منبع هذه القهقهة التي ننخرط فيها أحيانا ًدون سيطرة منا، والتي يُعتقد أن الهدف منها هو "تنظيم" العواطف في داخلنا لئلا تجرفنا بسلبيتها.

ولكن ها هنا ليست زاوية لعلم النفس، بل مجرد نفس بشرية تخشى من مغبة الضحك، والضحك، والمزيد من الضحك. فلقد بات يغمرني عدد المواقف التي اعتدت أن "أكركر" عليها بحسن نية وبهجة، دون أن أدرك بأن هناك من أصبحوا موضعا لنكتتي.

نضحك ملء شدقينا على خرافات رجال الدين، بمصابيحهم التي تضيء دونما تيار كهربائي، واتصالاتهم الهاتفية مع سكّان القبور من آل البيت والصحابة. نضحك على جرأتهم حين يزعمون القدرة على تحرير المُقعد من كرسيه المتحرك، والعاقر من عقمها. وننسى بأننا نضحك على كل الذين تتعطل عقولهم فعلاً، وتفرغ جيوبهم لشراء الوعود الوهمية.

نضحك على الطرق المُحزنة في التوائها التي يتبعها البعض في التسوّل والاستعطاف، أو في التملق والتزلّف. نضحك لأنها باتت مكشوفة لا تنطلي على أحد، ومن يقع ضحية لها، فهو إنما يسايرها عن طيب خاطره. وننسى بأننا في الواقع نضحك على الفقر والعوز وندرة الفرص التي سحقتهم حتى باتوا يساومون على مصداقيتهم وكرامتهم.

نضحك على أولئك "الساذجات" اللاتي جعلن رضا أزواجهن ركناً تتقوض دونه حياتهن، فنذرن أوقاتهن لإجادة الطبخات، وكنس كل زاوية من المنزل، والبحث عن خلطات التبييض والتسمير والتنحيف والتسمين والتجميل والتقبيح، وقراءة كتب على غرار "كيف ترضين بعلكِ في 10 خطوات". وننسى أننا نضحك في الحقيقة على جهلهن المدقع بقيمة ذواتهن، وأميّتهن بإمكانياتهن الكامنة.

نضحك تحت ذريعة تفادي الواقع بوجهه المشوّه، حيث قد ننزعج ونضطرب أكثر مما تطيق أرواحنا. ولكن أليس القليل من الألم صحيا في بعض الأحيان؟ على الأقل، حتى لا ينتهي المطاف بالمرء منا ناسيا كيفية التوقف عن هذه القهقهة.
وكفانا الله وإياكم شر الضحك.