محمود الهباش وزير الأوقاف الفلسطيني السابق.(أرشيف)
محمود الهباش وزير الأوقاف الفلسطيني السابق.(أرشيف)
الجمعة 24 نوفمبر 2017 / 19:41

الهابش والمهبوش ورسالة الغفران!

رسالة "الهباش لعباس" سلطت الضوء وبدون مقدمات على جانب من الكارثة الفلسطينية وأظهرت كم هو الترهل في هذا النظام السياسي وكم من الحالات المماثلة التي من الممكن أن تكون موجودة ولم تكتشف بعد .

لم أصدق في بداية الأمر ما ورد من مضمون في رسالة محمود الهباش وزير الأوقاف الفلسطيني السابق ورئيس مجلس القضاء الشرعي السابق التي وجهها للرئيس محمود عباس والتي يعترف فيها بأمور خطيرة، اعتقدت في البداية أن الرسالة مزورة أو جزءاً منها حقيقي والجزء الآخر مزور، وقمت بإجراء عدة اتصالات مع شخصيات فلسطينية أكدت لي بدورها صحة الرسالة وصحة الاعترافات الواردة فيها.

ما فهمته أن محمود الهباش الذي كان يخطب كل يوم جمعة في مسجد المقاطعة بحضور الرئيس عباس والقيادات الفلسطينية ويقدم لهم المواعظ الدينية ويدعوهم للورع والأخلاق أحاله الرئيس الفلسطيني على لجنة تحقيق خاصة بعدما أبلغته المخابرات الفلسطينية أن الهباش "هبش" ثلاثين مليون دولار وحولها لحساب عائد له في البرتغال، والفضيحة الأكبر أن الهباش وخلال التحقيقات اعترف بإقامة علاقات وصفها بـ "النزوات "، وقال إنها انتهت وما كان يجب أن تكون على حد تعبيره في رسالة "الغفران".

فضيحة مثل فضيحة الهباش لو كانت في بلد يحكمه نظام سياسي وقضائي غير الموجودين في السلطة الفلسطينية لسقط هذا النظام ولسقطت رموزه ولخرج عشرات الآلاف من أبناء الشعب يطالبون بقصاص ومحاكمة عادلة لهذه "اللصوصية" المتسترة بالدين "والولاء للقائد الملهم"، لقد راهن الهباش والعشرات من شاكلته في السلطة الفلسطينية على الولاء لشخص الرئيس في نيل الغفران وإغلاق ملفات الفساد وفي تلفيق التهم لخصومهم السياسيين أو منافسيهم الاقتصاديين.

بالعودة للاستثمار الديني لمحمود الهباش وربطه بالولاء سنتفاجأ بمدى التزلف والمبالغة الصادمة في المواقف تجاه الرئيس عباس والولاء له، وتعد خطبته الشهيرة في مسجد التشريفات بالمقاطعة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي التي اعتبر فيها "كل رافض لمشاركة الرئيس عباس بجنازة شمعون بيريز بالخائن" ووصف مثل هذا الرفض بأنه من "أكبر الكبائر" ، خاصة أنه استهل الخطبة المشار إليها بالحديث عن "الأمانة والخيانة" وهو المتورط بخيانة الأمانة المالية والأخلاقية" ولربما لاحقا السياسية وفقا لما أقر به في "رسالة الغفران". 

رابط هذه الخطبة :
https://www.youtube.com/watch?v=rNStZ5f_6DA

وفي 14 من أبريل (نيسان) عام 2017 صدم الهباش بتطرفه "التزلفي" جمهور المصلين والرئيس عباس نفسه عندما طالب "بحرق غزة" مستشهداً بحادثة تاريخية ادعى فيها أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام قد أمر بحرق أحد المساجد لأنه كان قد جلب له السوء، وهو أمر وفر منصة ولعدة أشهر لأقلام صهيونية تستشهد بما قاله مستشار الرئيس عباس للشؤون الدينية وقتذاك.

رابط الخطبة :
https://www.youtube.com/watch?v=h-N9Sn3P2SE

من أبرز ما توقفت عنده في "رسالة الغفران" هي تلك اللغة الاستجدائية المليئة بمفردات تعكس الضعف والانكسار لهذا الرجل لاستدرار العطف ونيل العفو "الأبوي" من الرئيس عباس.

رسالة "الهباش لعباس" سلطت الضوء وبدون مقدمات على جانب من الكارثة الفلسطينية وأظهرت كم هو الترهل في هذا النظام السياسي وكم من الحالات المماثلة التي من الممكن أن تكون موجودة ولم تكتشف بعد .

للموضوعية ومن أجل اطلاع القارئ على الرسالة فسوف أنشر نصها:
سيادة الأخ الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنني يا فخامة الرئيس وكما كنت دائماً وأبداً ابناً صادقاً معكم، باقياً على العهد والبيعة لكم أباً وقائداً، وملتزماً بكلمة الصدق حتى لو كان فيها حياة الشقاء، وثقتي بالله ثم بفخامتكم لا حدود لها.

إنني أخط رسالتي هذه لوالدي وقائدي ومعلمي، وبينما أخطها ما توقفت عيناي عن ذرف الدمع لحظة، ليس على مجهول ينتظرني، ولكن على معركة لي مع الشيطان الرجيم كنت فيها من الخاسرين، فأسأت لفخامتكم قبل أن أسيء لنفسي.

ولذا فقد قررت أن أرسل لفخامتكم قبل أن يصلكم التقرير النهائي من الأخوة في اللجنة عسى أن أنال عطفكم وأنا الطامع فيه طالباً العطف والصفح من صاحب القلب الكبير عسى أن يعفيني ربي من شماتة الشامتين.

إنني يا فخامة الرئيس أقر وأعترف أن جزءاً من المبالغ التي حولتها إلى البرتغال ( وهي تقريباً ثلاثة ملايين دولار) لم يكن مصدرها حقاً لي، ولكنني اقسم أن جزء منها هي من أقارب لي يقيمون في المملكة العربية السعودية منذ سنين ولم يدفعني لتحويلها لبلد أوروبي سوى خشية مستقبل مجهول لا يعلمه إلا رب العالمين.

أما بخصوص ما أثارته لجان التحقيق معي حول علاقات ما كان يجب أن تكون فإنها يا فخامة الرئيس نزوات النفس الأمارة بالسوء وانتهت تلك العلاقات منذ أن تركت وزارة الأوقاف الدينية، والله على ما أقول شهيد.

أتوجه لفخامتكم بطلب الستر لي ولعائلتي طامعاً في عفوكم وصفحكم.
"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون".
محمود صدقي الهباش